لو أنت من مؤيدي ثورة يناير أو من النشطاء (ويطلق عليهم النوشاتاء أيضا)، فمن المؤكد أنك واجهت هذا السؤال من قريب أو صديق أو عابر سبيل: هو إحنا ليه ما بنسمعلكمش حس لما الإرهاب بيقتل جنودنا, وبتقلبوا الدنيا لما متظاهر يموت ولا بتوع الألتراس يتقتلوا؟
الإجابة سهلة و بسيطة.. في الحالتين هناك جريمة وقعت، ولكن هناك فارق بينهم على كل من المستوى القانوني والمستوى الواقعي المنطقي.
من ناحية المنطقية العقلانية.. لما جريمة تحصل من شخص مجرم عتيد الإجرام، هو أمر مختلف تماما من أن يكون المجرم هو الشخص المفروض أنه يقوم بحمايتك.. المجرم بطبيعة حالة هو \”مجرم\”.. يعني لا يخضع للقانون، وهو عدو القانون، بينما ضابط أو عسكري الأمن أو القوات المسلحة حين يرتكب جريمة، فهناك بُعد آخر للجريمة.. فهذا الشخص هو أولا وأخيرا هو حامي القانون ويد العدالة والقوة التنفيذية.. يعني اختراق القانون من قِبل القائم على القانون يجعل للجريمة وقعا أعمق بكثير من مجرد أن يقوم بها المجرم المتأصل في الإجرام.
من ناحية أخرى.. الجندي أو الضابط تفرض طبيعة عمله روح الخطر, بمعنى أنهم معرضين للخطر أثناء تأدية واجبهم, ومن ضمن هذه الأخطار هو الموت.. لذلك, يتم تدريب الضابط والعسكري على مواجهة الخطر ويتم تسليحه بالسلاح المناسب لمواجهة هذا الخطر، بينما الشخص المشارك في مظاهرة والذاهب لمشاهدة مباراة, ما هي دواعي الخطر المتوقع مواجهتها؟! طبعا في الحالة المصرية هناك مخاطرة في أي نشاط يومي تقوم به، وأنت معرض للموت لأتفه الأسباب, لكن نظريا لا يوجد مخاطرة من حضور مباراة أو المشاركة في مظاهرة سلمية.
التعاطف مع الجندي المقتول هو أمر بديهي.. أنا شخصيا كوني لازلت على قوة احتياط حرس الحدود، فأنا أشعر تماما بكل هجوم على الجنود, وعلى استعداد أن اذهب للحدود إذا تم استدعائي في أي وقت والموت أيضا من أجل الواجب، لكن تعاطفي مع الشخص الذي قُتل على يد قوات الأمن هو أمر مختلف, فعنصر الغدر ممن المفروض أن يقوم بحمايتك هو أحساس مختلف تماما من أن تموت على يد عدو صريح متربص لك، وأنت تقف على أهبة الاستعداد لمواجهته.
أما من الناحية القانونية الحقوقية فالفارق بين الجريمتين كبير جدا.. هناك سبب لتربص النشطاء بجرائم الداخلية والجيش، وأنا اعترف بذلك, ولكن هذا السبب قانوني وشرعي تماما.
عندما يقوم مجرم بقتل جندي أو تفجير ما فهذه تعتبر جريمة جنائية طبقا لقانون العقوبات المصري. مثل تلك الجريمة يعاقب عليها القانون طبقا لإجراءات قانونية محددة، وعلى الدولة أن تطبق القانون، وأن تقدم مرتكبي الجريمة للعدالة.
وماذا إذا ارتكب النظام نفسه جريمة, أي قانون يطبق؟ بالإضافة إلى أنها جريمة في القانون المصري مثلها مثل أي جريمة, إلا أن جرائم النظام لها بُعد حقوقي في إطار القانون الدولي.
تم وضع معاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان, مثل العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية, والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, كعهد بين النظام الحاكم وبين المواطن لضمان أن المواطن يعيش حياة كريمة محترمة متمتعا بحقوقه داخل وطنه.
التوقيع والتصديق على هذه المعاهدات اختياري للدول, ولكن في حالة التوقيع وتصديق يصبح على الدولة لزاما قانونيا بتنفيذ بنود المعاهدة، وهناك إلزام دستوري أيضا حيث إن الدستور المصري الحالي ينص صراحة على أن المعاهدات الدولية الموقعة عليها مصر تعتبر من التشريع المحلي، فتنص المادة 93 من الدستور المصري على \”تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة.\”
أما عندما يرتكب النظام جريمة، فهي ليست فقط جريمة في التشريع المحلي، لكن يصبح لها بُعد دولي لا يمكن تجاهله. لذلك, عندما يقوم النظام بجريمة ما, ولجميع الأسباب السابق ذكرها, يكون رد فعل النشطاء والحقوقيين أعنف بكثير مما يتوقعه الشخص غير المدرك للخلفية القانونية للموقف, فيسرع بإطلاق الاتهامات، مثل أن النشطاء هم عملاء خونة متربصين بأخطاء النظام أو أنهم \”بيظيطو\” ويستغلون الموقف ويتاجرون بدماء من ماتوا, وهذه كلها تهم لا معنى لها في حال فهمك للوضع القانوني.
في اللحظة التي ستدرك فيها البعد القانوني، سترى أن تعاطفك مع جريمة قتل الجنود هو أمر بديهي وطبيعي، لا يحتاج لتحرك حقوقي من النشطاء والحقوقيين, بينما فضح جرائم النظام وتوثيق انتهاكات أجهزة الأمن وعرضها على العامة، هو واجب وفرض قانوني على كل من هو مهتم بالعمل الحقوقي وفي أي قضية ينطبق عليها تصنيف \”انتهاك حقوقي\”.
أنا متفهم تماما لمن يدافعون عن جرائم النظام, لأنهم مدفوعون بالاحتياج للأمان والاستقرار, وهي احتياجات أساسية للإنسان طبقا لعلم النفس. لكنهم لا يدركون أن تبريرهم لجرائم النظام يؤدي لاستمرار النظام في نفس الجرائم, مما سيؤدي في النهاية لردة فعل عنيفة مثل ما حدث في 2011، وبالتالي ستؤدي لانهيار النظام وانعدام شعور الأمن والاستقرار المرجو ممن يبررون للنظام جرائمه.. يعني نتيجة عكسية لما يسعون لتحقيقه.
نصيحة أخيرة لدعاة الاستقرار.. طريقكم الوحيد لبلد آمن مستقر لديه أمل في مستقبل أفضل، هو أن يخضع النظام للقانون قبل أن يخضع له المواطن. عندما يسري القانون على من هم فوق قبل من هم تحت, ساعتها فقط اعلموا أن ما تسعون له من استقرار قابل للتحقيق. قدموا من يقوم بجريمة للمحاكمة مهما كان, عندها فقط تصبح للدولة هيبة ويصبح للقانون قيمة ويصبح الأمان والاستقرار قريبا المنال.
استمروا في تبرير جرائم النظام وسوف تستيقظون على ثورة جديدة, ولكن وقتها – رجاءا – لا تقولوا إنها مؤامرة وإنها مخططة وإن من قام بها عملاء خونة.. الثورة ستكون رد فعل تلقائي وطبيعي على سكوتكم عن الحق واستمرار دولة الظلم في ظل الجرائم النظامية.