د. محمد أشرف حماد يكتب: المصريين أهمّا

لكل شعوب العالم مزية تفرقهم عن من سواهم, علامة مميزة وطابع وطني يجعلك تفرق البلاد والعباد دون جهد.. كنت أتحدث مع صديق غير مصري, فسألني ماذا يميزكم كمصريين حقا؟ فأجبته دون جهد, الواسطة!

تلك هي علامتنا الأصيلة وتاج رؤوسنا.. المصريون وحدهم من اخترعوا لفظة \”خيار وفاقوس\”, و\”كوسة\”, للدلالة على التفرقة في التعامل بين بعضهم البعض.. يؤمن غالبية المصريين وحكامهم بأن العدالة – وإن كانت واجبة-  فمش لازم تبقى واجبة على كل الناس!

قاعدة 1: ليس كل الناس سواسية في هذا الوطن.. لا تكن سخيفاً من فضلك

في عصر محمد علي,  كان التجار والمزارعون يخرجون مبكرا إلى الأسواق الشعبية لحجز أماكن بيعهم , وكان من العادي أن ينتظروا طويلا في انتظار تحصيل الرسوم والدخول.. هنا كانت الكوسة تمارس عادتها السخيفة التي لا تنوي أن تكف عنها, وهي أنها تتلف بسرعة في الجو الحار ولا تحتمل درجات الحرارة المرتفعة لفترة طويلة, فكان أصحابها يتركون الصفوف ويدخلون دون أنتظار, فيبدأ الناس في الاحتجاج ليرفع أحدهم يده، ويقول كوسة! فيصمتون جميعا .
 قاعدة 2: من معه كوسة يمر.. تلك قاعدة أخرى لا تفشل أبدا

إذا تأملت الحال العام في مصر الآن, قد لا تجد إلا الواسطة والمحسوبية عاملا مشتركا في كل شئ, بداية من أحكام القضاء المسيس إلى ابن خالتك ومغامرته الخرقاء لتجديد رخصة قيادته في إدارة مرور الجيزة. يحاول المصريون, أن يظهروا للعالم بصورة مغايرة.. صورة شعب وحكومة تحترم الدستور والقوانين, ولا تفرق بين مصري وآخر إلا بموجب ما يدين أحدهما أو ما يرفعه مقاما وعلما، إلا أننا – حقيقة لا مجازا – نعشق فتح الأدراج لتلقي الإتاوات الجبرية وفلوس الدخان وحق المواصلات, وتعليق كابات الجيش على \”تابلوهات\” سياراتنا الأمامية حتى يراها من يفكر أن يساوينا بالعامة, وحتى طمس أرقام السيارات ذاتها – وأنت ونفوذك بقى – وكتابة عبارات لطيفة ظريفة مكانها, لتصبح –حرفيا- فوق مستوى البشر.

قاعدة 3: لا ترتكب من المخالفات ما لا يستطيع نفوذك أن يبتلعه

تستطيع أن تقتل شعبا أو ترتكب من الجرائم ما لا يحصى وتنجو بفعلتك, أو حتى أن تعدم هذا وتبرئ هذا بلا أدلة منطقية, لكن اعرف حجمك وحجم من يغطي ظهرك جيدا.

في فترة معينة في مصر الفاطمية, كان نبات الخيار باهظ الثمن, لا يقدر على شرائه إلا الأغنياء, فاستعاض الفقراء بالقثاء – القتة كما نسميها  أو الفقوس – وهي لفظة مغربية الأصل انتشرت بين المصريين.. مع الوقت, أصبح الخيار حكرا على الأغنياء فقط, وأصبحت القتة سخيفة الشكل والرائحة.. البديل المصطنع غير المكلف للخيار.

لا تصبح بلا غطاء أبدا, إذا كنت فقيرا أو بسيط الحال، فلا تتوقع أن تحترمك الدولة أو أجهزتها, أو تعاملك كما تقتضي إنسانيتك وتساويك مع غيرك في الحقوق والواجبات.. حسبت أنك أذكى من ذلك.. مهما كانت إمكانياتك، ستجد واسطة على مقاسك.. تتنوع هنا الإختيارات بين أمين الشرطة وصول القسم القريب أو ساعي مكتب المدير في أي مصلحة حكومية تدخلها.

قاعدة 4: القتة أحسن من مفيش  

عانى المصريون كثيرا من مثلث الوساطة والرشوة وذل أصحاب النفوذ.. البشر الأعلى والأفضل والأرقى من كل شئ, ثم اعتاد المصريون التعامل معهم, وكيف \”يمشوا حالهم ويسلكوا مصالحهم\” دون الصدام المدمر مع تلك المخلوقات.. حكى عبدالله النديم قبل ذلك, عن الفرق بين محاكمات الخواجات في مصر وبين أبناء البلد وقت الاحتلال البريطاني لمصر.. كان هذا وقتا عصيبا, ولم يكن هناك قاض واحد يستطيع أن يصدر حكما بالإدانة على أجنبي, فقال إن خواجة وقف أمام قاضي متهما بالقتل العمد, فسأله القاضي: يا خواجة أنت قتلته؟

فأجاب الخواجة: لا يا خبيبي, هو \”كتل روخه\”.

فهتف القاضي منشرحا: براءة.

ثم جاء ابن البلد البسيط متهماً بجريمة مماثلة, فسأله القاضي: أنت قتلته؟

فيقول له: لا والنبي يا بيه.. ده هو اللي قتل نفسه، فيتصعب القاضي, ويقول له: أنت مجنون؟ في حد يقتل نفسه؟ اسمك إيه يا راجل أنت؟

فيفكر الرجل هنيهة ثم يجيب: اسمي مخمد خسين!

المعنى هنا واضح صريح.. صاغه النديم في قصة جذابة مازالت تجعلني ابتسم حتى الآن.. كان هذا الحال قديما, ثم انتقلت هذه الفقاعة الآمنة من الخواجات إلى البشوات والبكوات, إلى أن جاءت ثورة يوليو لتطيح بترتيب الأوراق وتضع العسكريين والقضاة فوق الجميع.

قاعدة 5: لا تندهش كثيرا.. وحاول الاعتياد على الطرق المتعرجة وأنصاف الحلول

هذه نصائحي لك, لتتمتع بحياة سعيدة آمنة في وطنك الهادئ المستقر, واتمني أن أراك بصحة جيدة, وألا تعرف غلبة الواسطة, وقهر الرجال, وذل النفوس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top