انتابني الهلع على مدار الأسبوع الماضي من قسوة الأحكام والإجراءات التي تم إتخاذها، ليس فقط في قضيتي التخابر وفتح السجون، لكن فيما يتعلق بوقف بث برنامج \”جمع مؤنث سالم\” على فضائية ON TV، وحظر مجموعات الأولتراس، واستخدام المطارات للمنع من السفر أو لمصادرة جوازات بعض العائدين من فعاليات أو ندوات سياسية.
تملك مني اليأس أيام.. لم أتكلم خلالها مع أحد ولم أجرؤ حتى على إجراء حوار داخلي متماسك عن المآلات المنتظرة.. نعم كان الخوف سيد الموقف.. هذا الذعر الذي يخرس العقل وليس فقط اللسان.. ذلك الهلع الذي رأيته على أوجه الكثير من نشطاء حقوق الإنسان بعد تعديل قانون العقوبات في أكتوبر الماضي، وذلك اليأس الذي قابلته مرارا بين الشباب بعد تأميم المجال السياسي في الميادين والجامعات بعد إصدار قانون التظاهر وتعديل قوانين الجامعات.
لكن لحسن الحظ، لم يطل خوفي كثيرا، لأنني حاولت استئناسه عبر طرح الأسئله التالية:
هل يجرؤ النظام الحالي على خلق سابقة إعدام رئيس جمهورية سابق دون الخوف من ارتداد ذلك عليه مستقبلا؟
هل تستطيع البيروقراطية المصرية الثقيلة والمتهالكة ملاحقة حركة تسعين مليون مصري؟ على سجن مليون؟ على إعدام نصف مليون مثلا؟
هل انعدمت قدراتنا الداخلية على المعارضة والتصدي للسياسات الأمنية إلى هذا الحد؟ وأنا هنا لا أتكلم عن الخطاب الاحتجاجي باسم \”الحريات\”، لكن عن التكدير والترويع الذي يتعرض له مئات الآلاف من المواطنين يوميا، خصوصا فيما يتعلق بمن هم أدنى من الطبقات الوسطي؟
هل مازالت الأغلبية الساحقة – في الحياة الحقيقية وليس على شاشات التلفاز- تعتقد في سلامة فكرة \”تصفية\” الإسلاميين عموما وتنظيم الإخوان المسلمين خصوصا بتلك القسوة؟ هل مازالت تصدق في إمكانية تنفيذها على أرض الواقع؟ وهل مازالت تتجاهل العواقب المحتملة من تفشي العنف المضاد لسنوات وأجيال قادمة؟
هل ستقف كل من دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة موقف المشاهد الصامت إزاء تصعيد المواجهات والمبالغة في التطويق الأمني الشرس في أكبر دول المنطقة تعدادا؟ هل ستترك هذه الأطراف أولوياتها الأمنية الملحة لمعالجة الشأن المصري، أم أنها ستحاول توفيق تصوراتها عن الأمن الإقليمي المتمحور حول خطر التوسع الإيراني مع تصورات النظام المصري المتركزة على الاٍرهاب الإخواني؟
وقد أسعفتني \”اللاءات\” الخمس على أسئلتي من نوبة الهلع، بل وأدخلتني في مزاج مناقض تماما يرى في تزاحم إجراءات الضبط والمحاصرة التي تبنتها أجهزة الدولة – مؤخرا- علامة تخبط أو مساومة أكثر منها منهاجا قابل للاستدامة من حيث التكلفة السياسية والبشرية.. هنا، استعدت شيئا من توازني وتذكرت ما مررنا به من أزمات خلال الأربع سنوات الماضيه. قفزت إلى ذهني صور كنا نعتقد أن كلا منها تعني نهاية العالم حرفياً: الأثنى عشر ألف متهما أمام المحاكم العسكرية.. الأثنى وأربعين ألف مسجون من بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. توقيف ألف ومائة متظاهر في يوم واحد في ذكرى الثورة في يناير ٢٠١٤.. حرق عشرات الكنائس وأقسام الشرطة خلال عام ٢٠١٤.. تفجير بوابة جامعة الأزهر.. تعدد حوادث القطارات والطرق السريعه وانفراط عقد الحرب الصفرية في سيناء بين قوات الأمن ومجموعات السلفية الجهادية، ناهيك طبعا عن انهيار مستوى التداول في البورصة المالية من أيام، وتلك أمثلة قليلة لا تعدو أن تكون بعض من كل، كان أطول وأصعب ما مررنا به سويا – دون أن نقف بالضرورة سويا.
هنا توصلت إلى أن هذه المأسي لم تمنعنا من البقاء أحياء، ولا منعت أي طرف من الأطراف المتصارعة من الاستمرار في سعيه لاحتكار السلطة والمجال العام.. نعم أنهكتنا بالقطع كل هذه المظالم والضحايا والدماء، وأخذتنا في دوامات من التصعيد والتهدئة وفقاً للمصالح الآنية لكل طرف. لكنها أبداً لم تمّكن أي طرف- سواء النظام أو جماعات الإسلام السياسي- من الفوز الساحق والنهائي.
فلنتغلب على خوفنا الطاغي، ولنردد لأنفسنا: إننا فقط في مرحلة من مراحل التصعيد والترويع الهادفة لبدء دورة جديدة من التفاوض بين النظام وأطرافه الحليفة والمتربصة، من المساومة على دعم جديد من شركائه الإقليميين والدوليين ومن فرز الحلفاء الأكثر ولاءا لتصورات النظام عن آلية الوصول للاستقرار الأمني والاقتصادي لمصر.
فلنؤطر مخاوفنا ونحدد ما تبقى لنا من هامش للضغط إذاً ضد أحكام الإعدام الجماعية والتجريم المستمر للمجموعات والأشخاص الناشطة وتضييق الخناق على حراكنا المادي واللفظي، ولنقول – كما علمتنا لغة شبكات التواصل الاجتماعي- دي فعلا أيام سوووداااا، لكنها بالرغم من ذلك ستمر.. دون فوز ساحق أو نهائي لهذا الطرف أو ذاك.. على المستمرين في الحلم بالتغيير في المنتصف.