فادي القاضي يكتب: يعرف الإسلاميون الآن مرارة وتعسف "عقوبة الإعدام" وبإمكانهم العمل على وقف العمل بها

عارض الإسلاميون على مدار عدة عقود إلغاء عقوبة الإعدام، وتركزت الحجج التي ساقها العديد من منظريهم وقياداتهم ودعاتهم، جيلاً بعد جيل، على أن العقوبة تشكل حجر الزاوية في إطار تعاليم الإسلام، وبالتحديد تلك المتعلقة منها بـ \”القصاص\”، واتسمت مواقفهم بالرفض المطلق لمجرد نقاش إعادة النظر في فرض العقوبة.
من ناحيتهم، نشط مدافعو حقوق الإنسان في الدول العربية (وفي أرجاء العالم الإسلامي)، على الجهة المقابلة، على تقديم الحجة تلو الأخرى، في إطار قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، جلها يُفضي إلى أن العقوبة قاسية لا إنسانية ومهينة، والأهم من ذلك أنها مطلقة (بمعنى لا يمكن استرجاع الأثر أو الضرر الذي تتسبب به).
إلا أن حملات العاملين في مضمار المدافعة عن حقوق الإنسان والهادفة لإلغاء عقوبة الإعدام في البلدان العربية، شابها الفشل بشكل عام وكبير، سبب الفشل أساساً – وإن لم يكن السبب الوحيد- إلى هيمنة قناعات راسخة بين الغالبية العظمى من أفراد المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية مفادها وجود موانع دينية تحظر إلغاء العمل بالعقوبة.
إلا أن آخر أحكام الإعدام الصادرة بحق عدد من قيادات الإخوان المسلمين في مصر، ومن ضمنها الحكم الصادر بحق الرئيس المصري السابق محمد مرسي، توفر فرصةً لمراجعة مقتضبة لتلك الحجج.
ومن الاعتبارات الحاسمة في هذا السياق، هو حقيقة أن حكم الإعدام الصادر بحق مرسي سبقه محاكمة، توافق كل من الإسلاميين (الإخوان المسلمين وأنصارهم) والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، على افتقارها (أي المحاكمة) للضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، ومن ضمنها إهدار حقوق المتهم في الدفاع الفعال، وفي اخفاق مجمل الإجراءات القانونية المتخذة في إطار المحاكمة. ومن شأن التفريط بمعايير المحاكمة العادلة والضمانات التي توفرها، أن يعني الكثير من الأشياء، وعلى رأسها هو أن أي أدلة سيقت ضد المتهم (ين) بما يؤدي إلى إدانته أو إدانتهم (بغض النظر عن نوعية العقوبة) ليس بوسعها أن تكون \”ذات مصداقية\”.
وبموجب المبدأ القائل بضرورة توفير المنفعة في الشك (بالأدلة، بالتهم، بالظروف المحيطة بالفعل الجرمي المنسوب للمتهم) لصالح المتهمين، فلا ينبغي اعتبار حتى أكثر الإجراءات القضائية انضباطاً، وصرامة أو تم تنفيذها على نحو فني سليم وشملت أعمال تحقيقات محترفة، لا يمكن كلها مجتمعة أو منفردةً أن توفر سبباً للوصول الى نتيجة (حكم) مطلق، بل من شأن ذلك كله، لربما، أن يصل إلى نتيجة مختلفة في حال تم تعديل مساره وسياقه أو تنظيم أنشطته بطرق مختلفة، وفي حالة أحكام الإعدام في مصر، فيتوفر بحرٌ من الشواهد على أنها لم تمنح منفع الشك ولا قامت على أسس من فحص ومطابقة الأدلة وتمحيصها بشكل فعال، أو بأي وسيلة أخرى.
وتقف الحجة القديمة \”شامخةً\” من دون تحدٍ يُذكر. وتقضي تلك الحجة/المبدأ بأننا لا يمكن \”أن نكون على يقين مطلق\” بصحة الفرضيات والأدلة التي من شأنها توفير الأرضية لفرض عقوبة الإعدام على شخص ما، وفي الواقع، فإن جوهر نظام العدالة يقوم بشكل أصيل على إعمال شرط \”الضمير\” للقضاة الجالسين، ويمتد هذا المبدأ ليشمل النظم القضائية المتأثرة بتعاليم الإسلام أو القائمة على أساس منها، بما يعنيه ذلك أن \”ضمير\” القاضي أو مجموعة من القضاة، هي التي سوف تقود مسار الإجراءات القضائية إلى نهايتها في محاكم القانون، وليس بالضرورة إرادة الله.
ويُدرك الإسلاميون الآن، ويعرفون مرارة مواجهة نظام سياسي لا يرحم، وقادر على احتكار ما كان في يوم من الأيام سلطة قضائية قوية ورصينة. وعلى ذلك، فالتحولات في النظم السياسية هي الأصل وليست الاستثناء؛ فقد يُولدُ منها ما هو نظيف ونزيه، وقد تطفو إلى سدة المشهد أخرى فاسدةٌ ومُسيئة. فلماذا ينبغي للإسلاميين الاستمرار في ترخيص استخدام هذا السلاح ضدهم وضد غيرهم في المجتمع؟ ولا يكفي القول بأن القضاة الذين يعتنقون الإسلام و\”يؤمنون\” به، لا يمكن لهم ظُلم غيرهم من المسلمين؛ فالآن مشهد واضح يؤكد أن بإمكانهم فعل ذلك، وقد فعلوا ذلك سلفاً. ويعرف الإسلاميون ذلك جيداً.
تتوفر لقيادات الإسلام السياسي فرصة ذهبية لمواءمة فعلها السياسي مع إطار حقوق الإنسان من خلال الانخراط في الجهود الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام، مرة واحدة وإلى الأبد. طالما نعيش على هذا الكوكب وفقا لإرادة الله.

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر @fqadi

ظهرت طبعةٌ من هذا المقال باللغة الإنجليزية على موقع الكاتب http://RightsCable.com

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top