طبيعي أن تجد ضابط جيش يتعصب حينما تلفظ أمامه لفظة (عسكر), طبيعي أن تجده حينما يتقاعد لا يجد مناسبة إلا ويتغنى بالمؤسسة العسكرية وإنجازاتها, حتى ولو ذاق ويلات القانون العسكري.
طبيعي أيضا أن ضباط الداخلية ينفجرون غضبا إذا ما تم اقتحام مقر وزارتهم الكائن بشارع محمد محمود, أو أي من أقسام الشرطة.
وتتراوح المهن من حيث ولاء أصحابها لوزارتهم، حتى يأتي الدور على وزارة (الصحة)، فنفاجأ بصفحات التواصل الاجتماعي وقت أحداث (شارع محمد محمود) تنادي للمتظاهرين (اقتحموا وزارة الصحة وسنساعدكم), مهما استخففت الجملة واخذتها على المحمل الهزلي, يبقى الواقع أوسع من الخيال.
حينما نجلس لنحلل ظاهرة تردي الخدمة الصحية في مصر, يبقى هناك جزء على الطبيب, لكنه ليس كل المشكلة كما يدعي بعض – أو كثير-
من الأبواق الإعلامية والقيادات التنفيذية, لكن أحد أهم أسباب مشكلة تردي الخدمات في الهيكل الإداري للدولة عموما، ووزارة الصحة خصوصا، هو (غياب الولاء) لدى قطاعات عديدة على رأسها الفريق الطبي، ولو أن المشكلة تكمن في الطبيب فقط, لما وجدت نفس ذات الطبيب مشهودا له بالكفاءة والانضباط في كل البلاد العربية والأجنبية.
إذن لماذا يكره الأطباء وزارتهم؟
أولا: هناك أسباب جذرية تأتي في مرحلة ما قبل الالتحاق بالوزارة, حيث يصور أساتذة الطب في مصر لطلابهم أن من ستفوته فرصة التعيين في الجامعة، وسيصبح مصيره العمل بوزارة الصحة، كالفقيد في الصحراء! لذا يتسابق خريجي الطب سنويا، ليس للعمل في الجامعة فقط، على قدر ما هو الفرار من العمل بالوزارة، وإما بالالتحاق بالجيش أو الشرطة أو أي من مؤسسات الدولة الأخرى.
ثانيا: في الوزارة نفسها، هناك شرائح – وهي إحدى كوارث النظام الصحي المصري – وكلها تتمتع بمزايا خاصة تجعل الطبيب يحرص على الالتحاق بها، ثم يلتحق الطبيب فقير الواسطة بالوزارة، ليجد نفسه ملقى في غياهب الوحدات الصحية، وليجد (كاتبا) حاصل على مؤهل متوسط يدير كل شئ, وهو من يحال للتحقيق! وليس أمام جهة واحدة، بل أمام 5 جهات رقابية على الاقل! ويحاسب عن أخطاء إدارية، وهو لم يدرس سوى الطب والجراحة!
يكبر الطبيب رويدا رويدا, فيحاول التخصص، ليفاجأ بنظام أغرب في التسيق بين التخصصات, ويفأجأ أكثر بأن العلاقة بين الوزارة والجامعات إن لم تكن معدومة, فإنها تكون علاقة من نوع غريب، إذ أن الجامعة -وكأنها متلقية الضوء الأخضر من الوزارة- تكيل للأطباء بعدة مكاييل من حيث المصروفات الدراسية – يتحملها الطبيب – إلى التعامل معهم، وكأنهم باحثين درجة عاشرة.
ثم يكبر الطبيب حتى يتولى منصبا تنفيذيا رفيعا بالوزارة، فيجد أنه مهما حقق من طموحات كطبيب يعمل في الوزارة، فإن طموحه لن يرتقي يوما ليصبح وزيرا لصحة مصر، حيث إن المنصب منذ إنشائه، وهو حكر على أساتذة الطب العاملين بوزارة التعليم العالي!
بل وأزيدك من الشعر بيتا, ولن يرتقي ليصبح نقيبا لأطباء مصر، وكأنه بعمله في وزارة الصحة قد ارتكب جرما يخل بالشرف ولا يغتفر أبدا!
ناهيك عن لوم زملائه له إن هو أعطى لوزارة لا تهتم بأبنائها وقتا على حساب عيادته الخاصة.
للتواصل مع الكاتب:
ahmed_aboelkasem2000@yahoo.com