على ضفاف البحيرة داخل محمية كروجر الطبيعية، وقعت \”معركة كروجر\” خمسة أسود جائعة وأسرة من الجاموس الوحشي أخطأوا خطأ فادحا بالسير وحدهم بعيدا عن باقي أفراد القطيع.. نجح الأب والأم في الهرب، بينما فشل العجل الصغير، إذ لحق به أسد منهم وصفعه صفعة قوية أوقعت به في البحيرة، ثم انقضت عليه براثن بقية الأسود يحاولون جره إلى خارج البحيرة، ولوهلة يخيل إليك أن الدنيا لن تكون أكثر قسوة على هذا العجل الصغير مما هي عليه الآن، ثم تدرك أنك لا تعرف أي شئ عن الطبيعة، إذ ينقض من أعماق البحيرة تمساح ضخم يطبق أسنانه الفولاذية على جسده الصغير محاولا سحبه إلى الأعماق وسرقته من الأسود.. ثوان معدودات من الجذب والشد بين البراثن والأنياب، تمر على الوحوش كلمح البصر وتمر على الصغير كأنها الدهر، تنتصر براثن الأسود ويختطفون الصغير من التمساح إلى خارج البحيرة، ثم يتكالبون عليه، يأكلونه حيا، ولوهلة يخيل إليك أن المعركة انتهت، ثم تدرك أنك لا تعرف أي شئ عن الطبيعة، فالمعركة لم تبدأ بعد.. \”معركة كروجر\” تبدأ الآن بعودة الأب والأم ومعهما أعداد غفيرة من الجاموس الوحشي الغاضب، الأسود فوق جسد العجل الهامد ينهشونه في تحد سافر للقطيع، يقترب منهم القطيع بحذر محافظين على تشكيل نظامي متقن للغاية، تشكيل من الصفوف المتراصة، أفراد كل صف متلاصقين بقوة موجهين قرونهم إلى أسفل ويتقدمون معا ببطء كأنهم جدار حي، ثم يتشجع جاموس منهم ويخرج عن الصف وينقض على أسد من الأسود ببسالة، ولوهلة يخيل إليك أن الهجوم على أسد يُعد انتحار، ثم تدرك أنك لا تعرف أي شئ عن الطبيعة، فالأسد حجمه ضئيل للغاية مقارنة بالجاموس الوحشي الأفريقي، قتال الجاموس ومن خلفه هذه الأعداد الغفيرة من إخوته يُعد انتحار للأسد، فيجري الأسد مبتعدا ومن خلفه الجاموس الباسل يطارده بلا ذرة خوف.. هنا يتشجع باقي أفراد القطيع ويلتفون حول الأسود يحاصرونهم في شكل هلال، ليُسجن الأسود بين البحيرة والقطيع، وتتغير كفة المعركة، من عجل صغير يواجه خمسة أسود وحده، إلى أربعة أسود محاصرين بجدار حي من الجاموس الوحشي الغاضب، يخرج جاموس من الصف وينقض على أحد الأسود يضربه بقرنيه بعنف، فيطيح به في الهواء كأنه قطة صغيرة، فيجري الأسد موازيا للبحيرة محاولا الهرب من الحصار والفرار بحياته، ثم يتبعه أسد آخر أصابه الرعب لرؤية ما حدث لأخيه، ومن خلفهما ينفصل العشرات من الصف يطارودنهما بجرأة، ولوهلة يخيل إليك أن هدف القطيع هو الانتقام من الأسود لقتلهم العجل الصغير، ثم تدرك أنك لا تعرف أي شئ عن الطبيعة، حين يبدأ العجل الصغير في الوقوف، فتدرك أن القطيع ما جاء إلا لإنقاذه، عن إيمان مطلق أن الصغير لم يستسلم، وأنه برغم وجود أسدين ينهشان لحمه الآن، إلا أنه مازال حيا، مازال يقاتل، يجن القطيع لرؤيته وهو يحاول الوقوف فيهجمون جميعا على آخر أسدين بغضبة وحشية، لا يجد الأسدان أمامها إلا الهرب بذعر، ثم يقف الصغير ببطء، ويتجه إلى الجدار الحي بخطوات جريحة متثاقلة، فيُفتح من أمامه كستار حريري رقيق، ثم يغلق من خلفه بعنف، ويختفي كل أثر للعجل، داخل الجدار المنيع للقطيع، ليسجل إنتصارا ساحقا، ويترك من خلفه ذكرى \”معركة كروجر\”، بشرى للصابرين، ونذير شؤم لناهشي اللحوم المتكبرين.. سينهض إخوتي من أجلي غاضبين، مقاتلين، مرابطين، متوحدين، وأقسم بعزة ربي وجلاله لأكونن منصورا، ولو بعد حين.