(1)
في عيد الفطر عام 2005 أثناء عرض فيلم \”حاحا وتفاحة\” في سينما مترو حفلة السادسة مساء، دخل إلى قاعة العرض إحدى عشرة فتاة بلا مرافق ذكر، وهو أمر غريب في زحام العيد.. أن تخرج مجموعة من البنات بدون خوف.. كن يشتركن في فعل معين، فكلهن \”ضاربات\” شعرهن أوكسجين.. جميعهن – من أصغرهن التي لم تتجاوز الثامنة إلى كبيرتهن التي تقترب من الأربعين- اصطففن جوار بعضهن أمامي في الصف الثالث، يضئن عتمة القاعة، يلمحهن القاصي والداني.. يميزن ويزين الصف بفجاجة اللون الأصفر ودرجاته، بدءا من الأصفر الذي يقترب من الأبيض إلى الأصفر البرتقالي حسب كمية الأوكسجين التي استخدمت على شعره الناعم أو المجعد.. جلسن ضاحكات يأكلن الفيشار.. لا يعبأن بالنظرات.. كن يشتركن في الصف الأمامي، وفي الأوكسجين وفي السعادة.
(2)
\”لدي إحساس عميق بأنني لست حقيقية تماما، بل إنني مجرد زيف مفتعل، صنع بمهارة، وكل إنسان يحس في هذا العالم بهذا الإحساس بين وقت وآخر، لكنني أعيش هذا الإحساس طيلة الوقت، بل أظن – أحيانا- أنني لست إلا إنتاجا سينمائيا فنيا اتقنوا صنعه\”
مارلين مونرو في تصريح صحفي.
(3)
تخبرني ابنتي التي تقترب من عامها السادس، أنها تريد صبغ شعرها باللون البنفسجي كعروس البحر \”أرييل\”، بينما ترتدي في ساقيها كيس مخدة لتبدو مثلها بذيل.. ارفض كثيرا.. يتكرر الطلب، فارفض مجددا.. مرة أخرى ارفض.
فيما بعد تطلب وارفض.. تفشل في إقناعي، فتتجه للخطة البديلة: \”ماما.. هاتي لي باروكة فوشيا\”.
نجلس أنا وهي سويا في الكوافير، نراقب إحداهن وهي تخضع لعملية تدبيس خصل شعر شقراء في شعرها المصبوغ بنفس اللون، وكأي أنثى طبيعية كنت اراقبها، واتفرج عليها من فوق لتحت.. تضع على أظافر يدها \”مانيكير أحمر\” فاقعا تزينه وردات صغيرة فضية صُنعت بدقة، بينما أظافر قدميها تلونت بلون فسفوري.. ترتدي كعبا عاليا وثيابا غالية، تفتقر إلى الذوق، لكنها مقبولة.. ذات وجه أربعيني، موشومة حواجبها بعناية بلون أسود يتناقض مع شقر شعرها, من كلامها مع مصفف الشعر، عرفت أنها مُدرسة لغة عربية.. في النهاية تنظر إلى المرآة برضاء تام وبابتسامة فتاة في العشرين، بدون وعي ابتسمت أنا أيضا.
المجد لمصففي الشعر ومخترعي الصبغة ومستحضرات التجميل.
(4)
في عام 1926 وُلدت مارلين مونرو بعيب في أسنانها، وبشعر أسود.. بعدها بتسعة عشر عاما تذهب إلى هوليوود، وتصبغ شعرها للون الأصفر الشاحب، وتقوّم أسنانها وفكها، لتصبح أشهر شقراء في العالم إلى الآن.
\” قص الشعر، أو تغيير لونه ليس بالضرورة دليلا على الاكتئاب، فمن الممكن أن يكون انعكاسا لتقلبات وتغيرات في الحالة المزاجية، أو توترا، أو مللا، وتكسره المرأة بتغيير مظهرها، لكنه في أحيان أخرى يكون بسبب إحساس بالذنب وعدم رضاء عن النفس، فيأخذ معنى عقاب الذات، لأن المرأة بقصها لشعرها، فهي تغير ملامحها، وتضّيع معالم شخصيتها المعتمدة على شعرها كأنثي.
\”وقد يكون قص الشعر أيضا دليلا على عدم الاهتمام بالنفس.. عشان ما تضطرش تسرح شعرها، أو بيبقى دليل على إحساسها بالعنف، فبدلا من أن يكون تصرفها عنيفا تجاه زوجها، أو فرد من أفراد عائلتها مثلا، أو تعجز عن ممارسة هذا العنف تجاههم، فتمارسه على نفسها، وتقص شعرها بشكل مبالغ فيه\”.
دكتور عارف خويلد أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة ومستشفى قصر العيني في تصريحه معي عن أسباب قص الشعر، وإحساس المرأة بضرورة تغيير مظهرها كل فترة.
(5)
منذ أيام ذهبت إلى الكوافير بدون أي انفعال، وبكامل قواي العقلية، لأقص شعري.. لم اقصه إلى كتفي ولا إلى أذني، لكنني أخذته لأعلى أكثر.. إذا كنت تذكر أحمد زكي في فيلم \”كابوريا\”، فقد اقتربت من صورتي. داعبتني فكرة أن آتي عليه كله مثل بريتني سبيرز، و\”اخليه ع الزيرو\”، لكنني لم امتلك الجرأة الكاملة.. حاول نبيل وهو يقترب بالمقص من رأسي أن يثنيني عن قص شعري، أو أن اقصره قليلا، لكنني اصريت، وحينما قصه بالفعل، وأعطاني خصلاتي الطويلة في يدي، كدت ابكي وكأنني قطعت – أو بالفعل قطعت- جزءا منى.
(6)
مارلين أيقونة الشقراوات في السينما، والتي كانت بطلة فيلم بعنوان \”الرجال يفضلون الشقراوات\”، كانت صابغة، وفتيات سينما مترو ضاربين أوكسجين، ومُدرسة اللغة العربية صابغة ومكملة بخصل، وأنا قاصة شعري.. جميعنا نتشابه في لحظة الضعف والفرح والبحث عن التغيير، وبدلا من أن نغير أشياء أخرى، نغير فينا نحن.. نحن الأقرب لذواتنا مابنقدرش على الحمار، وبنتشطر على البردعة.. نتجمل منذ الأزل، ونولد ونحن لا نخالف القوانين.. نبحث عن نظرة رضا في أعين رجال لا ترى ما خلف الوجه المنمق – أفكار- والصدر الكبير – قلب – لا يعرفون عنا سوى جسدا يشتهونه قبل الزواج، ويملونه بعده، ويبحثون عن أجساد أخرى ومارلين أخرى.. يبحثون عن زيف صُنع بمهارة أو برداءة ماء أوكسجين.