اعتقد أنني منحازة لليسار، وربما كان لهذا الانحياز دورٌ في حبي لـ \”زينة \”الجميلة المُخفية لزينتها، التي لا تقف في صف أحد وتنقد الجميع على السواء، والتي عشقت \”عبد الناصر\” تحت هراوات الأمن.
وسأعترف أني ما أكملت قراءة رواية \” الطلياني\” – شكري المبخوت إلا من أجل \”زينة\” سواء من أجل الشغف اللذيذ بينها وبين عبد الناصر، أو لشخصيتها الباحثة المثقفة المجنونة، وكأي – بنوتة – تحب تفاصيل الحب تابعت تفاصيل القصة.
\”مهما يكن من أمر أنا أشعر معك بحالة اكتمال ما.. لا أعرف له اسما لكنني أتردد في أن اسميه الحب، ماذا تسمين الشوق إلى الآخر، الخوف عليه من أي مكروه، الاندفاع بعفوية إلى حمايته، رائحته التي لا تفارق أنفك، البهجة التي يحملها طيفه، رنّات الصوت التي تسمعها وهو غائب.. كل التفاصيل.. ماذا تريدينني أن اسميه؟ إعجاب؟ إنجذاب؟ لن اخسر شيئا ولا أريد أن أنكد فرحتي بك.. أنت أفيون لذيذ يطلق الجواد المجنح داخلي.. فما العيب؟\”
جزء من اعتراف عبد الناصر بعشقه لزينة.
ورغم تحيزي لـ \”شوق الدراويش\” في صراع البوكر، إلا أني عادة أرضى بالنتائج، وقررت إفساح الطريق لـ \”شكري المبخوت\”، لأرى ما الذي أبهر اللجنة حتى تنتزع روايته البوكر من منافسيه؟!
الرواية تقع أحداثها في تونس الخضراء رفيقتنا في كفاح الظلم.. يعود بنا شكري المبخوت إلى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات، فيتحدث عن تنظيمات الجامعات والشباب الثوري.. ظلم بورقيبة، وانقلاب بن علي والظلم الذي لحق بالجميع فيما بعد.
\”ابن علي لا يملك أي تصّور اجتماعي أو سياسي جديد، وسيكتفي ببعض الإصلاحات الشكلية لتمرير حبة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد ومزيد ربطه بالمصالح الغربية، وسياسياً سيكون أخطر من أبورقيبة لأنه منذ اللحظة الأولى ابتلع خصومه جميعاً ووضعهم في جيب سترته بمعسول الكلام. فما الذي سيطالبون به الآن؟\”
هل هي إذا رواية سياسية؟ ربما، لأنك في النهاية لن تعرف ماذا تقرأ بالضبط!
ففي البداية يختار شكري المبخوت الراوي من شخصيات الرواية – زميل عبد الناصر – ثم يجعله راويا عليما، وهو اختيار غير منطقي، فكيف للزميل أن يعرف كل هذه التفاصيل! إن كنت ستسرد بهذه الطريقة، فلما اخترت الزميل كراوٍ؟ أو طالما اخترته، فلم سردت بهذه الطريقة؟
والأبطال مشتتون مثل تشتته هو شخصياً في السرد، في البداية يضرب عبد الناصر إمام المسجد في دفن والده، ثم تجد نفسك في حياة عبد الناصر منذ طفولته ودخوله الجامعة ونضاله السياسي، ثم زواجه من زينة وعلاقتهما بكل تعقيداتها، مرورا بانتمائه لجريدة حكومية فتتحول مسيرته نحو الصحافة لتدخل في تفاصيل وتفاصيل وتفاصيل.
لماذا يشرح الكاتب طريقة تصميم الجريدة؟ – لن أنكر أني أعجبت بهذا الجزء تحديدا لكونه قريب من اهتمامي- لكن ما علاقته بسير الرواية؟
بعد الكثير والكثير من التفاصيل، سينبهك الكاتب قرب النهاية أنك لم تعرف بعد لماذا ضرب عبد الناصر إمام المسجد؟
ردّة فعلي كانت: \”يا راجل.. هو أنت لسه فاكر؟\”
ثم ظننت أنه ربما لسبب ما، هذا السر سيكشف الهدف من كل التشعبات التي يحكيها الكاتب، ما السر إذا؟
الإمام اعتدى عليه جنسيا وهو طفل! ما علاقة هذا السر بسير الرواية أو بالشخصية؟
أليس مبالغاً فيه بما فيه الكفاية أن تكون زينة تعرضت لإغتصاب في صباها، ولا تدري من الذي اعتدى عليها!
لتدخلني في تفصيلات عن ابن الباشا الظالم في قرية زينة الذي تعرض للضرب من قبل مجهول!
ما علاقة ابن الباشا باغتصابها؟ وما علاقة ذكره بسياق القصة؟
شخصية زينة، تذبل بالتدريج وبالرغم من أنه يصّورها لك كشخصية يمكنها فعل المستحيل من أجل رسالة بحثها وأنه لم يخلق في الكون باحثة بمثل براعتها، لكنه يجعلها تستسلم بسهولة!
وتترك بحثها رغم سفرها خارج البلاد وخارج الظلم الواقع عليها – تحرش جنسي من أحد أساتذتها – لماذا لم تكمل البحث إذا؟ ولماذا اختفت زينة من الحدوتة فجأة؟! ثم بهتت شخصية نجلاء واختفت!
ولماذا تظهر شخصية \”ريم\” في نهاية الرواية؟! لمجرد أن تكتشف سر الإمام!
لماذا تظهر شخصيات وتختفي فجأة؟!
أنا كدت أسّكر –فعلياً- من تشتت الأحداث ومن فرط تخيل زجاجات الخمر الكثيرة، فكّرت جدياً أن أعّد كم الزجاجات والكاسات التي يذكرها الكاتب في كل حدث بالتفصيل!
قرب النهاية بدأت بشد شعري – حرفياً- من كثرة التشعب والتفاصيل!
لماذا عاد في النهاية ليتكلم عن والد زوجة إمام المسجد \”جنينة\”، ثم يتحول في الحديث إلى جنينة بإسهاب ثم ينهي الرواية بها؟! عن ماذا تتحدث الرواية؟ كل الموضوعات التي بدأت لم تنته! تصبح معلقة!
سرد شكري إنما يذكرني بأحاديثنا الجانبية حين نتطرق من حديث لآخر دون مراعاة علاقتهما ببعض.
يمكنك لكثرة التشعبات والتفاصيل أن تفّصل من روايته أربع أو خمس روايات بحكايات مختلفة لكل جزء من الرواية.. أنا فعليا لم أفهم لماذا حصلت الرواية على البوكر؟
حتى إن اسم الرواية باهت، اختاره نسبة للقب عبد الناصر في الرواية الذي سمي به لأنه كان – حليوة -!
إن كان لدى اللجنة من سبب مقنع لفوز الرواية، ففي ظني سيكون اللغة .
يحسب لشكري المبخوت أن لغته راقية، وأنه استطاع تشكيلها بطريقة لذيذة جعلتني أكملها رغم التشتت، وكنت سأحب كتابته جدا إن لم يفعل بي ما فعل، وإن رتّب روايته بشكل جيد.
هل تستحق الطّلياني البوكر؟ من وجهة نظري كقارئة، فإنها لا تستحق.. لا انكر أني أعجبت ببعض الأجزاء والجمل، واقتبست منها، وأني أغرمت بلغته، لكن الرواية -كعمل- لا تستحق كل هذا الضجيج حولها، ناهيك عن فوزها بجائزة بحجم البوكر!