بعد تصريحات وزير العدل المستشار محفوظ صابر بمنتهى العقلانية والرصانة والهدوء والقناعة التامة، التي تظهر في كل حرف قاله، تذكرت على الفور بأغنية مسلسل الوسية:
آه يا زمن معيوب يا أيام سفيهة
يا دنيا مقلوبة عاليها في وطيها
ورجعنا تاني نعاني نفس الأسية
هي هي مافرقتش في أي حاجة
وكأني بهرب من وسية لوسية
وبجملة أحد أصدقائي: كلكم خليل حسن خليل.. كلكم خدام في الوسية.
وحكاية طه ابن البواب في \”عمارة يعقوبيان\”، وما أوصله إليه القهر، وما سيوصل إليه غيره.
وزير العدل قال ذلك بمنتهى الوضوح، مع إنه كان سوووو كيوت، وهو بيعلن احترامه لمهنة الزبال والغفير وما إلى ذلك، لكن برضه ما ينفعش حد من ولاد دول يبقى زي ابن سيادة الوزير، ويبقى قاضي.
ومع إنه وزير عدل \”بتقول إيه وزير عدل.. كمان مرة عشان الحبايب\” وزير عدل.. أي المنوط به تحقيق العدل بميزان لا يختل ويحرص على تطبيق مواد الدستور والتي تنص مادة 9 به: \”تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز\”.
لم تضف للمادة الدستورية – ماعدا أبناء القضاة والوزراء واللواءات والسفراء وووو – أو ماعدا كل ولاد الكلب من الطبقة الدونية من الشعب – بمنظور استعلاء الوزير ومن شابهه-
الوزير الذي يحمل أمانة الله، ويحكم بين الناس بالقسط وميزان قويم، سقط منه سن ارتكاز الميزان، لينغرس في قلب كل أب غلبان انحنى ظهره على أبنائه وحلم بيوم يبتسم له فيه القدر، ليصبح ابنه سفيرا أو قاضيا أو رجلا ذا منصب رفيع.
يا سيادة الوزير.. إبن الزبال الذي تحترمه – كما قلت- لم يتقدم لخطبة ابنتك حتى تراعي في الاختيار تكافؤ المستوى الاجتماعي.. اعتقد أن معايير الاختيار للوظائف تحكمه وتنظمه قواعد عمل تنطبق على الجميع إبن الوزير وإبن الغفير.
ويتصاعد صوت متهكم:
كونوا واقعيين، فالأمر معروف منذ عشرات السنين، ومعايير رجال السلك القضائي والدبلوماسي تسيطر عليه الطبقية.. عالجوا ازدواجية المجتمع أولا.
أنا معك.. كلنا نعلم ذلك بمنتهى الأسى، واعلم أن الوزير الذي اعتبره الأكثر صراحة ومجاهرة بالإثم في الحكومة، بتلك التصريحات \”فقع الدمل\” الذي ينطبق على الاختيار لوظائف القضاء وينطبق على الاختيار للخارجية والكليات العسكرية والشرطة \”الوساطة والمحسوبية، وأنت ما تعرفش أنا ابن مين؟\”، وباقي ما نعلمه ولا نصرح به.
لكن مازال في إمكاننا الحلم، وأوقات نصدق شعارات المسئولين وتصريحاتهم التي ترفع شعار: الشفافية وتكافؤ الفرص، ولكل مجتهد نصيب والعدالة الاجتماعية، لتُقتل حتى الأحلام بالتصريحات.
المادة 58 في الدستور تنص على:
\”لا يجوز للوزير أثناء تولي منصبه أن يزاول مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا, أو أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقايضها عليه\”
والمفروض تحتاج إلى تعديل: \”الوزير اللي ما يعرفش يتكلم.. يخرس\”.. أيوه يا بيه.. يخرس، حتى لا تنطبق عليه مقولة: سكت دهرا ثم تحدث كفرا.
إسهال تصريحات الوزراء، بدأ بوزير الثقافة – اللي ما بيحبش التخان- مصعدا بتصريحه أزمة طالت أكثر من ثلثي الشعب المصري، ولم نفق منها، حتى يأتي وزير العدل ليصرح: \”إبن الزبال ماينفعش يبقى قاضي، لأن الوسط الذي نشأ به لا يؤهله لذلك\”.
ووزير التعليم العالي يصرح: \”اللي يقول فيه مشاكل مع روؤساء الجامعات معفن ونتن\” والعهدة على اليوم السابع في نقل هذا التصريح.
عندما يقول وزير التعليم العالي: \”معفن ونتن\” في تصريح أو حوار صحفي، الطبيعي إذا أن تكون من ضمن الأدوات المكتبية لطلبة الجامعات، المطواة والسنجة والملايات للفرش والردح بها.
زي بالضبط ما تصريحات وزير العدل تلغي العدل في الاختيار والمفاضلة في الكفاءة للوظائف الحكومية، مرتديا وشاح الطبقية البغيض، ونسى أن علي ابن الجنايني بقى من الأحرار.
ولنكن موضوعيين أكثر.. المجتمع به عنصرية في التعامل بين أفراده وإزدواجية مقيتة.. نعم نعلم ذلك، لكن المجاهرة بالإثم يا سيادة الوزير جريمة، وجب عليها قطع لسانك وتعليقه على باب الوزير.. تلك التصريحات التي تزيد الطبقية وتوسع الهوة السحيقة بين الحاكم والمحكوم والغني والفقير وتهدد بعواقب وخيمة، فضلا على اختيار التوقيت السيء جدا لذلك.
ومن جهة أخرى نرى أن الأكابر \”المسئولين\” لديهم من الموانع والمبررات ما تحول دون تقلد أبناء الغلابة المناصب، حتى إن تفوقوا،لكنهم يحترمونهم ويحترمون مهنهم البسيطة ويقدرون دورهم الوطني، بإرسال أبنائهم كجنود على الحدود، يحمون مصر ويحمونهم هم وكرايسهم وأبناءهم، وليس لديهم من الموانع أن يرجعوا لأبائهم في صناديق مكتوب عليها اسم ابنه مسبوقا بكلمة شهيد.
الخلاصة:
أرجو مراجعة قواعد اختيار الوزراء، وعند اختيارهم، أرى أن يخضعوا لبرنامج تأهيل نفسي وتنمية بشرية، للوصول بهم لحد القناعة أنهم وزراء لكافة شرائح المجتمع، والحيادية في المفاضلة بينهم، ومعرفة أن مرتباتهم هي من ضرائب الشعب الذي فيه الزبال والكنّاس والفرّان، ومحاولة قتل أو تحجيم القناعة الطبقية والنزعة العنصرية داخلهم حتى يطيب لهم عملهم ويطيبوا لنا.
يا حكومة.. كفاية التقصير في آداء مهماتك اللي صابرين عليها بالعافية.. اللي ما يعرفش منك يتكلم.. يا يقوم بتعيين شخص متمكن للرد على الاسئلة الصحفية.. يا يخرس.. كفاية قهر.