آلاء الكسباني تكتب: اكسر للبنت ضلع.. هانطلعلها 24

(1)

إممم.. مش عارفة ابتدي منين.. معرفش الموضوع بدأ إزاي.. أنا كبرت على الشتيمة والضرب.. من صغري باتبهدل.

عارفة؟ لو الموضوع واقف على الشتيمة والضرب بس.. ماكنتش هتضايق أوي كده، لكن أنا مش عارفة اعيش.. حقوقي البسيطة بالنسبة لي أحلام، واحلام مرتبطة باختفائهم من حياتي! عمرك شوفتي واحدة تتمنى أبوها وأمها يختفوا؟ قعدوني في البيت بعد الثانوية العامة عشان مادخلش كلية و\”افجُر\”.. ممنوع اخرج من البيت بقالي سنة مابقابلش ناس.. حاولت أقنعهم آخد كورسات أو اتعلم أي حاجة مفيدة.. اتعلم حتى مزيكا.. رفضوا وقالو لي عايزة تمشي على حل شعرك.

وبعد ما بابا وماما انفصلوا.. فضلوا يلقفوني لبعض.. هيا تبعتني ليه بحجة إنه شايل إيده من مسؤوليتى، ولما اروح له اتضرب أكتر.. تتصوري مرة وداني القسم وطلب من المخبرين يتوصوا بيا، عشان أنا دايرة على حل شعري؟ أنا عايشة حاسة إن ضهري مكسور، وماليش حيطة اتسند عليها.. بفكر كتير إني اهرب بس خايفة.

(2)

بابا سافر برة من مدة.. وسابني أنا وماما وأخويا لوحدنا.. أخويا ابتدى يضربني من بعد سفر بابا.. عايز يحس إنه راجل البيت بقى.. الموضوع كان في الأول ضرب بسيط.. بس لما لقى إن بابا مابيعاقبوش وماما مابتقدرش تعمله حاجة، ابتدى يتطاول زيادة.. بقى يضرب ويزعق ويشتم ويتطاول على ماما نفسها.. كل حاجة مباحة ليه.. يجيب صاحبته البيت.. يدخن.. يخرج وقت ما يحب ويرجع وقت ما يحب، ويضربني وقت ما يحب برضه.

حاولت كتير افكر في مخرج ماعرفتش.. أنا لسه عندي 17 سنة.. لو حاولت ابلغ عنه، محدش هايوقف معايا ولا حتى ماما.. ما هي مهما كان أمه.. مش هاترضى له الأذية.

(3)

كنت باتضرب وأنا صغيرة كتير أوي.. بس ماكنتش اعرف إن ده اسمه عنف أسري.. كنت فاكرة إن دي ماما.. يعني لازم تضربني.. كنت باترعب منها في أبسط حاجة!

لو نقصت درجة في الإملاء ولا درجتين في امتحان الماث، كانت بترنني حتة علقة.. أسلحة ماما ماكنتش شبشب أبو صباع زي ما كنت باسمع عن أمهات صحابي في المدرسة منهم.. ماما كانت بتضربني بالنشابة اللي بنفرد بيها العجين أو عصاية المكنسة الكهربا.. الضرب كان بيفضل معلم في جسمي كتير.. بابا مكانش بيتدخل نهائي، وبعد وفاته تحكم ماما في حياتي زاد.. بقت تتدخل في أبسط حاجة تخصني.. لدرجة إنها منعتني اقص شعري أو اغير لونه، وفي يوم الدورة الشهرية اتأخرت شهر.. أصرت توديني لدكتور نسا عشان تعرف أنا بنت ولا لأ!

ماما لسه بتتدخل في حياتي وبتضربني.. بس أنا دلوقتي بقيت باقف وباصدها، وبقيت فاهمة إن ده عنف وإني استاهل اعيش سعيدة.. أنا عمري ما هاضرب عيالي.

(4)

انا مشكلتي ف الحياة إن ماما مقتنعة إني عمري ما هاتجوز عشان تخينة..

بتفرض عليا كل وسائل الدايت اللي في الدنيا.. بالغصب، عشان زي ما بتقولي \”تحلي بضاعتها\”.. مش عارفة ليه شيفاني كيلو بتلو مشفي لازم يبقى من غير دهنة، عشان يجيب سعر عالي.

العنف مش كله ضرب.. كفاية إنك تصحي كل يوم الصبح على حد بيقولك يا تخينة.. يا فشلة.. يا فرس النهر.. يا سيد اشطة، والحد ده أقرب الناس ليكي.. يعني المفروض يساعدك تبقي قوية وواقفة على رجلك.. مش يكسر فيكي ويحطمك!

وكل يوم تصبحني وتمسيني بأخبار فلانة اللي اتجوزت, وفلانة اللي أصغر مني وخطوبتها بكرة, وفلانة اللي عملت دايت عشان خطيبها عايزها سمباتيك.. تخيلي إنها من يومين جابتلي ورق مكتوب عليه \”دعاء تيسير الزواج\”، وبتقولي اقريه فجر الجمعة!

أنا مكسورة أوي.. مابقيتش اشوف نفسي حلوة.. لا في عيني ولا في عين غيري، ولما أي راجل بيحاول يقرب مني بهرب.. بهرب بسرعة.

(5)

جوزي.. جوزي غريب أوي.. بيطلب مني حاجات غريبة أوي في الأوقات الحميمية، ولما بارفض بيضربني، وبيفضل يقولي إن الملايكة هاتلعني عشان باتمنع عنه.. أنا مش باتمنع والله.. بس أنا مش قادرة اعمل كده.. أنا كرهت العلاقة بينا أوي.. بحس إنها كلها بتدور حوالين الموضوع ده بس.. حاولت اتطلق.. أهلي رجعوني بالغصب.. فكرت اهرب.. بس لو هربت هاروح فين؟ وهاصرف على إبني منين؟ حتى لما بتمنى إنه يموت، باقول طب ذنب إبني إيه يعيش من غير أمه.. خلاص بقى.. أهي عيشة والسلام.

(6)

من يوم ما وعيت على الدنيا وأنا حاسة من ناحية أهلي بكره فظيع, عمري ما فهمت له سبب.. بابا كان دايما يقولي إنه نفسه في ولد وإني جيت غلطة.. بقى يعاملني معاملة الولاد، ويطلب مني اتصرف زيهم, ولما اتصرف بطبيعتي كطفلة بنت، اتضرب.

كنت بتضرب على أي حاجة.. أي حاجة حرفيا، حتى لو أكلت ربع فرخة زيادة أو مانمتش في الميعاد اللي هما حددوهولي عشان انام فيه، ولما دخلت إعدادي.. بابا قرر إني لازم اتحجب.. لبسته كام يوم وماستحملتش الحر والتعب، وقولت لهم إني مش قادرة استحمله ومخنوقة منه.. بابا حلق لي زيرو، عشان يا اخرج بالطرحة، يا اخرج كده!

وفضلت مستحملة المر لحد ما دخلت الجامعة, حبيت شاب في سنة أولى جدا, كان بيعوضني عن كل اللي حصلي, لحد ما بابا اكتشف علاقتي بيه، واتهمني إني مش شريفة وقرر يعاقبني.. ختنوني عشان ماجبلهمش العار!

بعدها بمدة مش طويلة.. اتقدم لي واحد من صحاب بابا.. كنت باقوله يا عمو وأنا صغيرة! بابا وافق عشان يخلص مني.. حاولت انتحر واكتشفوا.. بابا قرر إني لو عايزة اموت، لازم اطلب منه إنه يقتلني عشان يرتاح من عاري، وعشان ماموتش كافرة.. اتجوزت وقولت يمكن هو ده اللي معاه خلاصي.. بقى يصبحني بعلقة ويمسيني بعلقة.

وفي رابعة كلية اكتشفت إني حامل.. ماكنتش قادرة استحمل فكرة إن يبقالي ابن منه.. قررت إني اجهض الجنين, وروحت لدكتور وحكيت له الموضوع كله.. تتصورى؟ كان بيبص لي باشمئزاز وقرف.. كان بيبص لي على إني حامل من الحرام.. مع إني وريتله قسيمة الجواز! روحت من عنده وأنا مقررة إني هاكمل حمل، وولدت وخلفت ولد زي القمر، وفجأة جوزي اختفى ماعرفش راح فين.. اختفى بمعني الكلمة! فضلت ادور على شغل.. كل الشغل \”مطلوب آنسة للعمل\”.. دوخت على ما لقيت حاجة مناسبة.. أبويا رفض يخليني اشتغل، وضربني قدام ابني، مع إن أنا عارفة إنه مش هايصرف عليا!

وزي ما جوزي اختفى فجأة.. رجع فجأة.. أنا رفعت عليه خلع دلوقتي.. خلاص مش قادرة استحمل.. مشيت وسبت لهم الدنيا كلها، وكفاية عليا ابني.. بس كل فترة باضطر اغير مكان اقامتي وشغلي.. باخاف يعرفوا مكاني ويقتلوني أو ياخدوا مني ابنى.. أنا مبقاليش غيره.

(7)

هذه مجموعة من الأمثلة.. نماذج حية للعنف الأسري في مجتمعنا.. يشهد الله أنني لم اغير حرفا مما قلنه لي، ويشهد الله أنني اخترت أقل النماذج بشاعة وعنفاـ بل ويشهد الله أنني لو أفردت هذا المقال لأذكر لكم النماذج الأخرى التي تحدثت معها، لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلماتي، ويشهد الله أنني حاولت جاهدة أن التزم بالمهنية ولا اتأثر بهذه الحكايات، لكن لم استطع.. حاولت كتابة هذا المقال مرارا وتكرارا، وكلما فتحت حاسوبي لاكتب، لا أجد الكلام المناسب.. يلوح لي في الشاشة شبح ابتسامة ساخرة لإحداهن، وتظهر أمامي ملامح وجه متورم من الضرب لأخرى، فأهرب إلى سريري واتقوقع كما الجنين.. اغمض عيني حتى لا أراهن.. حتى لا اسمع أصداء استغاثاتهن تناديني وتتهمني بالعجز وقلة الحيلة.

حتى طالعني هاشتاج #قانون_يحمى_الفتيات_من_العنف_الأسري صباح أحد الأيام، وحين ضغطت عليه، وجدت عددا من الحكايات لا يُستهان بها.. أشد عنفا وأكثر سوءا.. قولت مابدهاش بقى.. إنها إشارة من السماء لكي يكتمل هذا المقال.. بحثت على الهاشتاج كثيرا، وقرأت العديد من التدوينات لناشطين وناشطات ساعين لتدشين حملة كبرى لمواجهة العنف الأسري والمطالبة بوضع قانون يحمي الفتيات منه، وعلى أثره قمت بالتحدث مع إحدى ناشطات الحملة هبة النمر, لكي افهم كيفية عمل الحملة والقائمين عليها.

تقول هبة إن العنف ليس عنفا جسديا فقط، فهناك العنف الأكاديمي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، وأغلب الفتيات لا يرين هذه الأنواع عنفا من الأساس.. يعشن ويتأقلمن مع الوضع، ولا يعرفن أنهن معنفات! لذلك تعمل الحملة على التوعية بأشكال العنف وأنواعه وطرقه المختلفة, وتحاول توعية الفتيات والنساء بفصل المشاعر أثناء مواجهة العنف وعدم الرضوخ له تحت مسميات \”إحنا بنخاف عليكي\” أو \”إحنا أهلك ولازم تسمعي كلامنا\”.

يهاجمنا الكثيرون مدعين أننا نحصر العنف الأسري وأضراره على الفتيات فقط، لكن ما يحدث أن أغلب المعنفين في مجتمعنا من الفتيات والنساء، وذلك تبعا لطبيعته الأبوية الذكورية، فالزوج والأب والأخ – وأحيانا الأم- يمارسون العنف بشتى أشكاله على المرأة، بسبب اعتقادهم الدائم في الوصاية عليها وعلى تصرفاتها وجسدها وعقلها.

وتضيف هبة النمر إحدى ناشطات الحملة: اتعرفين أنه يوجد مخميات للفتيات والنساء المعنفات، لكنها لا تُستخد؟ لأنهن لا يتحدثن أساسا ولا يُبلغن عن حوادث العنف تلك، حيث تظل كلها محصورة في إطار \”أسرار البيوت اللي ماينفعش تطلع برة\”، وحتى إن أبلغن عنها, تساهم الشرطة بنسبة كبيرة في تفعيل العنف الأسري واستمراره، فهم يُرجعون الفتاة أو المرأة إلى زوجها أو أبيها بسبب تأصل فكرة \”ده أبوها / أخوها / جوزها وله حق يربيها\”

نحن نسعى لأن تخرج النساء عن صمتهن، لأن يتحدثن ولأن تعلو أصواتهن.. أن يجاهرن بالعنف وأن يسمحن لنا بأن نساندهن، وإن كُسر لهن ضلع، نطلعلهم مكانه 24.

سألتها: اتعتقدين أن الحملة التي تقومون بها ستأتي ثمارها؟ قالت هبة النمر: إن العمل فيها وبها سيكون صعبا ويحتاج إلى \”نفس طويل\”، لكني متأكدة أنه يوما ما سيُسن قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري، فما كان قانون التحرش إلا حلما بعيد المنال، لكنه تحقق.

اتمنى أن يكون معك حق يا هبة.. اتمنى أن يتحقق مأربنا، ويستمع المجتمع المصري \”المتدين بطبعه\” إلى أصوات استغاثاتهن التي لاتزال تلاحقني!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top