ناصر عبدالرحمن يكتب: الحياة الافتراضية

هل هي حياة؟ وما هي الحياة؟ هل لها مواصفات؟ أركان؟ كيف تكونت هذه الحياة؟

وما الداعي لوجودها؟ كيف سيطرت وأثرت على حياتنا الطبيعية؟

وهل هناك تشابه بين حياتنا الافتراضية وبين الخيال؟

وهل الخيال هو الأب الروحي لعالمنا الافتراضي؟

ولما اصطلح الناس وتوافقوا على اسم الحياة الافتراضية وليس اسم الحياة الخيالية؟

وهل ابتعدت الأحلام والرؤى عن هذا العالم الخيالي؟

مليون سؤال بمليار إجابة.. القاسم المشترك بينهم هو أنت أيها الإنسان الذي تحتاج دائما إلى ساحة تتشكل فيها وتندمج حتى لا تضمر وتسقط في هوة الإكتئاب.

تغيرت أيها الإنسان، فلم يعد الخيال المجرد حافزا للخروج من الملل والفشل والإنسداد.. تغيرت حتى أصبحت تسقط أحمالك النفسية بلا هد ولا بناء، فبعد الشعر والموسيقى والروايات والمسرح والسينما والتليفزيون، وكلها تنبع من مصدر واحد هو الخيال المستند قربا أو بعدا إلى المثال والواقع والابداع شرط الخيال.

أما العالم الافتراضي، فهو يهرب من الواقع والخيال والحلم إلى عالم جديد يراه ويسمعه ويعيشه ويبني عليه ويحقق فيه النجاح والملك والمال والحب والتسيد والحريّة بدون أي رجوع لأحد غيره.

لذلك سيطر العالم الافتراضي وتجاوز الخيال بتحقيقه وتجاوز الحلم بتأويله وتجاوز الواقع بصنع واقع بديل يخص كل واحد ممن دخلوا جزر العالم الافتراضي.

وهذا النجاح.. الجنون الذي يفترس كل من يعترضه، يفشل في إزالة عائق واحد وهو الوهم.. هذا الوهم هو البطل الأساسي في هذا العالم الافتراضي، والوهم ستائر من الحجب سريعة التشكل والتشابك ونهم جدا في استهلاك التفصيل، إلا أن هذا الوهم العملاق الشرس الناعم الذي يتميز ببيئة واحدة.. شريان هذه البيئة هو الخوف.

إذاً الخوف والتمرد وكره الواقع وعدم الاستطاعة، أدوات الوهم وتفاصيله، فبدون الوهم تنكشف ستائر العالم الافتراضي، كما أن هناك ما هو أبعد لنجاح العالم الافتراضي، وهو أن جنوده ومريديه وأهله أكثرهم المحبطين والحالمين والمتمردين والنفسيين والكافرين بالواقع.

لذلك تقاربت جزرهم وتعارفوا وتباعدوا عن العالم المجنون الذي نعيشه.

تجد الفنان المحبط الذي قهرته جدران صماء، ترفض فنه لصالح نجوم أقل موهبة.. هذا الفنان يجد في العالم الافتراضي جزيرة آمنه ترعى فنه وتحققه، كذلك العاشق الذي لا يستطيع تحقيق عشقة دخل جزيرته الافتراضية ليعيش العشق ولو من خلف ستائر وهمية.

وكل من يريد أن يرى عالمه الافتراضي، يكفيه لمس إزار العالم وتوجيهه،

ولكي يتمكن الوهم من أهله، كان لابد من دخول عناصر ومشهيات المنتجات الإبداعية التي تحققت على مدى السنين، كالفنون.. سنيما مسرح بنجومه ليدخلوا جزر الوهم الافتراضي.. يضئ أنواره لعله يحظى بجمهور العالم الافتراضي.

وهنا دخل نجوم العالم الواقعي من كُتاب إلى مطربين.. ممثلين ومشاهير، لخطف عيون جمهور العالم الوهمي، وتزداد ساحة العالم الافتراضي لتبتلع المنتج الإبداعي في العالم كله.

كذلك يفتح العالم الافتراضي لدخول كل ما سبق وسجله العالم من إبداع وفن وتاريخ.

هذا العالم الوهمي جعل العالم بطبقاته.. قاراته، ومعرفته، وغناه وفقره، دون أي تفضيل ودون أي تمييز.

ورغم سيطرة العالم الافتراضي على الجميع، ورغم ظهور الوهم وتفشيه بين الناس واقعا، إلا أن العالم الوهمي الافتراضي مسبب النجاح الوهمي ومشعل الفتن، لا ولن يستطيع أن يحبك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top