محمود مصطفي كمال يكتب: ضد السياحة الداخلية

اعتبر نفسي سائحا جيدا.. دائم التنقل من مكان إلى مكان، بحكم عملي كصحفي وأيضا بحكم حبي للترحال.. في الشهر الماضي قمت برحلتي عمل فصل بينهما يوم واحد، الأولى إلى ميونخ الألمانية والثانية إلى شرم الشيخ في مصر.

بعد زيارة الغالبية العظمى من دول أوروبا، أستطيع أن أضع الألمان في مرتبة متدنية فيما يتعلق بقدر الترحاب، وهذا ليس لأي شئ سوى أنهم شعب \”عملي بزيادة\”، بشكل قد يصدم شعبا \”في الطراوة\” مثلنا نحن المصريين، لكنهم على كل حال لا يفتقدون أبدا إلى تلك الابتسامة السياحية التي ستتلقاها مهما كنت ثقيل الدم، فهذه الابتسامة أنت تستحقها لمجرد كونك مصدر دخل لهذه الدولة والمدينة التي جأتها كسائح، فلا يهم إن كنت تروقهم أم لا، سيرحبون بك لمجرد أنك سائح، على عكس الشعب البرتغالي علي سبيل المثال.. بيرحب بالناس على روحه.. ده العادي بتاعه.

هذه هي زيارتي الثانية لميونخ، وكانت الأولى هي زيارتي الأولى لأوروبا، وأتذكر أنني وقتها لم أكن معتادا على خطوط المترو المتعددة والمنتشرة في أوروبا، فضللت الطريق قبل نصف ساعة فقط من إغلاق المترو، فقمت بالتوجه لمكتب المعلومات الذي قام بإستدعاء أحد رجال الأمن الذي قادني إلى التحويلات المطلوبة حتى أصل لوجهتي المطلوبة، بمنتهى السهولة وببالغ الإهتمام. أما في زيارتي الثانية الشهر الماضي فقد تطلبت رحلة العمل أن أقود إلى مدينة \”سولدن\” النمساوية ثم أعود بعد يوم.

أثناء القيادة وجدت علامة تحمل علم الإتحاد الأوروبي، واسم النمسا باللغة الألمانية.. لقد أصبحت في النمسا! بهذه السهولة؟ نعم.. لم ألمح شخصا واحدا.. بوابة.. كمين مستخبي في ملف.. فقط لافتة تخبرني أنني أصبحت في النمسا.

عدت بعد إنهاء العمل، وقمت بحزم الحقيبة مرة أخرى استعدادا للذهاب إلى شرم الشيخ، وقد بدأ يومي بقراءة مشاركة لصحفية أجنبية على تويتر تتهم أمن مطار القاهرة بالتحرش بها أثناء التفتيش، وبعد الوصول إلى المطار أجد الفرد الموجود على مدخل الطيران الداخلي لتصفح تذاكر السفر وتحقيق الشخصية، ينظر في بطاقتي ويقول لي: \”صباح الفل يا محمود.. فين السجاير؟ مفيش شاي؟\”.. ده إيه الإصطباحة الطين دي.

دخلت إلى المطار، وتخطيت التفتيش وقمت بتسليم حقائبي التي ستصعد الطائرة، وبعد الصعود إلى الطائرة على خطوطنا المحلية، اكتشفوا إذ فجأة أنها غير مستعدة، بعد الجلوس بالطائرة لمدة ٣٠ دقيقة، فقالوا لنا أن ننزل من الطائرة لنستقل طائرة أخرى تم تجهيزها بعد ساعة ونصف!

وصلت إلى شرم الشيخ، وبعد رحلة عمل جيدة، أفاجأ أن غرفتي \”إتقلبت\” في الفندق ذي النجوم الخمس، بعدما تم سرقة شئ تافه جدا، لأنني أضع كل شئ ثمين داخل الخزنة في فنادق مصر حتى العطر!

بعد سرد أهم محطات الرحلتين.. أود أن أضيف لك أن السفر من القاهرة إلى شرم الشيخ، أغلى سعرا من السفر من ميونخ إلى روما مثلا، وأن أسعار الفنادق متقاربة لحد كبير، لكن.. ما كل هذه العكننة التي نواجهها في السياحة الداخلية؟!

لنضع المشاعر جانباً كالألمان.. السياحة تعني أن شخصا ما \”عايز يتبسط\” من خلال التنقل.. يتبسط ولا شئ أكثر.. هذا يعني ألا يتعرض لأي نوع من أنواع المضايقات، وأن يتلقى أكبر قدر من الترحاب حتى لو كان الترحاب السياحي في ألمانيا المصطنع بعض الشئ.

دائماً ما يحدث شئ في السياحة الداخلية \”يقفلك\” لبقية الرحلة.. سواء كان طلب فج للبقشيش، أو تحرش بالفتيات، أو تدخل سافر من شخص في خصوصياتك، أو معاملة سيئة في كمين، أو سرقة في فندق، أو طائراتنا المحلية التي أتمنى أن تحلق في موعدها في أي يوم من الأيام!

سنوات الآن من التجنب الكامل لمدن ساحرة مثل دهب ونويبع وغيرهما فقط لأنني أتجنب العكننة! ففي أيام الإجازة القليلة جداً خلال العام.. لا يريد أحد أن يجد نفسه في مواجهة حرقة دم أو عراك أو مشاجرة، هذا إذا إستثنينا عدم النظافة والحال السئ لآثارنا في الجنوب، الأمر الذي يأخذك إلى خارج حالة الانبهار بالتاريخ إلى حالة من وجع القلب، ذلك بالطبع إلى جانب الحالة التي تشعر بها عند الهبوط من خارج مصر إلى مطار القاهرة، إذ تشعر فجأة أنك خرجت إلى خارج الحضارة، خصوصا مع العدد الكبير من مندوبي شركات السياحة الذين تخطوا مكاتب الجوازات Passport Control، مع قيامهم بالنداء على السياح الذين هم في إنتظارهم بصوت عال في مشهد لا تراه في أي مكان سوى في مطار القاهرة!

لا تستطيع الدولة أن تطلب من المواطن دعم السياحة الداخلية، لأنه ببساطة لا توجد سياحة داخلية، فالقائمون على السياحة لا يعرفون معنى السياحة.. السياحة هي أن تعيش تجربة فريدة تتذكرها بسعادة، وليس أن تعيش العكننة اليومية التي تراها في القاهرة، لكن مع تغيير المناظر المحيطة!

الوضع الحالي لا يحتاج دعما.. يحتاج إلى وقفة والرجوع إلى ألف باء السياحة وبحث كيفية توفيرها بدلا من تقديم اللاشئ للجميع.

اتفهم أن نطلب الصبر على الاقتصاد.. على سعر العملة.. على التعليم، لكن أن نطلب دعم وضع منهار كهذا في السياحة التي غرضها \”الانبساط\”.. أن نطلب دعما للعكننة على أنفسنا بدون سبب واضح، فنحن نطلب مواطنا زاهدا في الحياة لا يطمح إلى أي شئ في الدنيا يا سادة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top