محمد المهندس يكتب عن "كوميديا" المنطقة العربية.. ويعرّفنا لماذا يمنعون شخصية فزاع في الإمارات!

لست من الحريصين على مشاهدة المسلسلات بشكل عام قديمة كانت أو حديثة؛ إلا أني لا أنكر حالة الضعف التي تعتريني أمام حلقات مسلسل \”الكبير\” للممثل أحمد مكي، فما إن أجده معروضا على قناة من القنوات التليفزيونية أثناء تنقلي \”العبثي\” بين قنوات \”الفراغ\” الفضائي، إلا وقد تركت أداة التحكم عن بعد (الريموت) لأشاهد \”الكبير\” و\”هدية\” و\”فزاع\” و\”جوني\” وغيرهم من شخصيات المسلسل الكوميدي.

منذ أيام قليلة مضت أمسكت بـ \”الريموت\”، وقلبت بين القنوات؛ لأجدني أمام مسلسل \”الكبير\” على قناة \”أبو ظبي\”، وكالعادة توقفت عن الانتقال بين القنوات؛ لأشاهد حلقة من حلقات الجزء الرابع الذي لم أشاهده من قبل.

خلال عشر دقائق تقريبا من المشاهدة حدث قطع مفاجئ وقصير في الصوت أكثر من مرة؛ فظننت في البداية أنه ناتج عن عيب صوتي في نسخة الحلقة المعروضة؛ إلا أني عندما دققت في الأمر وجدت أن الصوت ينقطع فقط حين يُنادَى على اسم \”فزاع\”.. يحدث الانقطاع الصوتي فجأة عند ذكر اسم \”فزاع\”!

تُرى ما الذي يثيره اسم \”فزاع\” عند القائمين على قناة \”أبو ظبي\”؛ بما استدعاها من اتخاذ إجراء يمنع نطق اسمه؟!

لم يحتج الأمر مني كثير تفكير؛ فمقدسات دولنا الأكثر حرمة هي ذوات حكامها وعائلاتهم الذين يُعامَلون صراحة أو اعتبارا كحرم آمن لا يقدر كائن من كان على القرب منه بجد أو لهو أو حقيقة أو خيال!

ذهبت إلى السيد \”جوجل\”؛ لأعرف منه قصة ذلك الـ \”فزاع\” الذي يُكتم صوت التليفزيون إذا تلفظ أحد في المسلسل باسمه.. أضفت لمحرك البحث الشهير كلمة \”الإمارات\” لتكون بجوار كلمة \”فزاع\”، فوجدت أول نتيجة باسم \”حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم\”، وكانت النتيجة الثانية موقعه الشخصي والمسمى باسم \”فزاع\”!

قرأت أكثر؛ فعرفت أن \”فزاع\” هو اللقب الأحب للأمير \”حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم\” ولي عهد حاكم دبي، وأن هذا الاسم هو الذي يُعرف به بين أهل الإمارات منذ أن اختاره لنفسه؛ لذا فهناك بطولات ومهرجانات تقام تحت هذا المسمى في دبي.

من حق الأمير أن يختار لنفسه اللقب الذي يحب، لكن لماذا تظن قناة \”أبو ظبي\” أن وجود شخصية كوميدية باسم \”فزاع\” في مسلسل تليفزيوني مسيء لأمير دبي بالشكل الذي يجعلها تحجب لفظ اسمه؟! وإن كان في الأمر إساءة معنوية كما تعتقد القناة؛ فلماذا اشترت المسلسل لتعرضه من الأساس؟!

أي قداسة تلك التي يمكن أن يتمتع بها لقب خاص بأمير؟ وأي قداسة تلك التي يمكن أن يتمتع بها اسمه نفسه أو اسم أبيه أو أحد من إخوته؟!

للأمير محمد بن راشد آل مكتوم 23 ابنا وابنة.. ماذا لو اعتبرت قناة \”أبو ظبي\” وأخواتها أن أسماء الأمراء جميعا وألقابهم خطوطا حمراء؟! هل يجب على مؤلفي الدراما حينئذ أن يراجعوا أسماء كل الحكام وأزواجهم وأبنائهم وأحفادهم وأخوالهم وأعمامهم وخالاتهم وعماتهم وباقي عائلاتهم قبل اختيار أسماء شخصياتهم في المسلسلات أو المسرحيات أو الأفلام؛ حتى لا يصطدموا بأحد الخطوط الحمراء؟!

علمت من أحد أصدقاء \”الفيسبوك\”، أن فيلما باسم \”فزاع\” قد فشل تسويقه في دور العرض السينمائي، وأن هناك شكوكا حول أن الأمر لم يكن بسبب ضعف مفترض في المستوى الفني!

ليست حالة \”فزاع\” على قناة \”أبو ظبي\” حالة فريدة من نوعها في بلادنا المنكوبة؛ فمنذ عدة شهور توقف برنامج \”البرنامج\” لأن صاحبه تجرأ بالتلميح على مقام وزير الدفاع الذي كان قاب قوسين أو أدنى حينئذ من رئاسة الدولة، وهو ما اعتبر حينها مساسا بهيبة الدولة.. تلك الهيبة التي تهتز باهتزاز اسم الوزير أو الرئيس المفترض!

قبل ذلك ومنذ ما يقارب الخمسين عاما، قررت الرقابة منع الممثل الكوميدي \”إسماعيل ياسين\” أن يؤدي أي دور يقلد فيه شخصية امرأة مما أدى إلى تغييره بالممثل عبد المنعم إبراهيم في فيلم \”سكر هانم\”؛ لأن الرقيب أو من هو أعلى من الرقيب اعتبر أن الشخصيات النسائية التي يتقمصها \”إسماعيل ياسين\” ستمس بهيبة فرد \”الجيش\” أو \”الأسطول\” أو \”البوليس الحربي\” أو \”الطيران\” التي تقمص أدوارهم كذلك \”إسماعيل ياسين\”!

أي منطقة في العالم تلك التي نعيش فيها؟

ما الذي يمكن أن يكتبه التاريخ عنا عند تعليقه على مثل هذه التصرفات عجيبة الشكل والمضمون؟!

أعلم أن مصائب دولنا أكبر بكثير من مثل هذا المواقف العبثية، لكن هذه المواقف كاشفة عن مدى الحالة المزرية التي وصلنا إليها في منطقة صارت في ذاتها مسلسلا \”كوميديا\” تشاهده بملل منقطع النظير بلاد العالم المختلفة!

ليس لها من دون الله كاشفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top