فلنسمه \”مالكوفيتش\”.. رجل أعمال وملياردير متعدد الجنسيات، منها الجنسية الإسرائيلية، \”أحتفظ باسمه الحقيقي لنفسي\”.
ولد في إحدى جمهوريات الإتحاد السوفيتي في وسط آسيا لأبوين، كانا قد ولدا بدورهما في القسم الأوروبي من الإتحاد السوفيتي، وازدهرت أعماله في جمهورية مثيلة مجاورة للتي ولد فيها.
قبل ثورة يناير 2011 بأعوام قليلة، وصل مالكوفيتش إلى مدينة الأقصر للاحتفال بعيد الميلاد الخامس والسبعين للملياردير المصري حسين سالم الهارب في أسبانيا، الذي استضافته جريدة المصري أمس في عدد الأربعاء الماضي في حوار صحفي عشية زيارة رسمية لأسبانيا يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
مالكوفيتش وسالم \”قصتا كفاح\” لمليارديرين \”عصاميين\” يرى كثيرون أن ثروتهما غير مبررة وأنهما أتيا للضوء بشكل غير مفهوم وغامض.
استمر حفل عيد ميلاد حسين سالم الذي حضره مالكوفيتش، وآخرون، بطائرته الخاصة لبضعة أيام، شملت جولات سياحية وجلسات مساج تجريها تايلانديات حضرن خصيصا من أجل راحة الضيوف، وولائم فاخرة.
نعرف الكثير عن حسين سالم، صاحب استثمارات عدة سابقة في مجال الغاز الطبيعي وحالية في السياحة، والقضايا العديدة التي لا يزال يحاكم بشأنها في اتهامات تتعلق بالفساد، لكن ماذا عن صديقه مالكوفيتش؟
درس مالكوفيتش علم اللغة في الجامعة، ومع البريسترويكا بدأ نشاطه الاقتصادي متاجرا في المعادن، وأسس مع اثنين آخرين شركة تمكنت لاحقا من السيطرة على الموارد المعدنية والغاز للدولة التي تقع في آسيا الوسطى بعد خصخصتها، وأصبح ثلاثتهم من المليارديرات، ومنحت مجلة فوربس مالكوفيتش رقم 847 في قائمة مليارديرات العالم عام 2015، والعاشر في إسرائيل، بثروة بلغت أكثر قليلا من ملياري دولار بعد أن كانت عام 2010 نحو أربعة مليارات.
في مقال بالجارديان نشر في نوفمبر 2013، قالت الجريدة إن المليارديرات الثلاثة برزوا بشكل غامض، مشيرة إلى علاقة غامضة لهم برئيس الدولة الوسط – آسيوية، تماما كما يتحدث الكثيرون عن علاقة غامضة بين الرئيس المخلوع مبارك وصديقه حسين سالم، اللذين حكمت عليهما محكمة الجنايات فيما يعرف بقضية القرن بالسجن المؤبد، ثم أعيدت محاكمتهما وتمت تبرئتهما، وتنظر محكمة النقض في مايو المقبل طعنا ضد الحكم الذي إما ستؤكده وتجعله باتا، أو تعيد نظر القضية الجنائية بنفسها.
قالت رويترز، حين عرضت شركة مالكوفيتش في بورصة لندن للبيع عام 2013، التي بلغت قيمة أسهمها 6 مليار دولار، إن البيع \”يأتي بسبب تدهور قيمة الأسهم بعد تعرض الشركة لمحاولات سيطرة حكومية صارمة وتحقيقات تتعلق بالفساد\”.
ترأس مالكوفيتش –صديق سالم المتهم ببيع الغاز المصري لإسرائيل بسعر بخس- المجلس اليهودي لأوروبا وآسيا وهو جزء من المجلس اليهودي العالمي، ودعا عام 2011 لإنشاء قناة تليفزيونية مناصرة لإسرائيل في مواجهة قناة الجزيرة العربية.
حسين سالم – ضابط المخابرات المصرية القديم – بدا مغرما بالشراكة مع الإسرائيليين أعداء جهاز مخابراته السابقين، عن طريق شركة البحر المتوسط التي تخصصت في تصدير الغاز لإسرائيل، والتي تعلقت بها اتهامات له بالفساد نفاها وأكد أن سعر بيع الغاز لإسرائيل كان مناسبا ولم تهدر خلال صفقاته أموال عامة.
تسبب حسين سالم وآخرون عام 2009 في خسارة مصر لتحكيم دولي بعد أن منحت الحكومة المصرية أراض في سيناء سبق وخصصتها لمستثمر مصري إيطالي – وجيه سياج- لشركة الشرق للغاز (لتصدير الغاز إلى الأردن)، وحكم لصالح المستثمر بتعويض بلغ 134 مليون دولار (700 مليون جنيه مصري حينذاك)، وقال سياج حينها إن من ينبغي عليه دفع التعويض هو حسين سالم لا الحكومة المصرية.
وقال حسين سالم – حسب المصري اليوم- إن هذه الشركات أسسها \”بتوجيه من جهاز المخابرات المصري لتحقيق مصلحة قومية لمصر، وكورقة للضغط على إسرائيل وتدبير موارد للدولة ونفقات المخابرات العامة السرية خارج الميزانية الرسمية\”.
ويضيف حسين سالم: \”نعيش الآن في أسبانيا في ضيافة أحد الأشخاص، وجميع أموالنا مجمدة، أنا بأشحت أنا وأولادي وأعيش على المعونات من أصدقائنا في أبو ظبي.. من أين سأعيش أنا وأولادي وأحفادي نحن 15 فردا هنا\”.
في حفل عيد ميلاده الخامس والسبعين كان هؤلاء \”الـ15فردا\” يبدون بشكل مغاير تماما، حيث تفتح لهم المزارات السياحية المغلقة ومنها مقبرة نفرتاري لزيارتها مع ضيوفهم، ويؤجرون فندقا نيليا عائما لمدة أسبوع بينما استخدموه فقط لمدة يوم ونصف.
وبعد انتهاء آخر ليلة في الاحتفال، الذي أقيم في فندق يمتلكه على جزيرة بجنوب الأقصر، استيقظ الأحفاد مبكرا للحاق بمدرستهم في القاهرة التي لم يذهبوا إليها بـ\”الباص\” كالمعتاد، لكن بطائرة جدهم الخاصة الفاخرة التي طليت أجزاؤها الداخلية بالذهب ويرعاها طيار وطاقم ضيافة من بريطانيا.
بدت الأسرة حينها، رغم الثراء الباذخ، نموذجا للطبقة المتوسطة المصرية التقليدية، وبدا حسين سالم مرحا ومتواضعا وودودا وهو يحتفل بيوبيله الماسي، بينما بدا مالكوفيتش دائما ملولا ومتغطرسا وتبدو عليه الملامح التقليدية للأغنياء الجدد.
لم يرغب مالكوفيتش في زيارة مقررة لوادي الملوك في البر الغربي للأقصر، وقال إنه لا يصح زيارة المقابر، وطلب بدلا منها أن يطير إلى أبو سمبل لزيارة معبد رمسيس الثاني الشهير.
تناقش سالم مع ضيفه حول رحلته: \”تروح بطيارتك ولا بطيارتي؟\”، وفي النهاية سافر الضيف في طائرة ضيفه لأسباب عملية، فهي طائرة مرحب بها في كل المطارات المصرية دون تعقيد أو مشاكل إجرائية، وهي نفس الطائرة التي تمكن بواسطتها من الهروب يوم 29 يناير 2011، قائلا إنه غادر مصر \”إلى طبيب في سويسرا، ثم قامت الثورة وأنا مواطن أسباني ولم أعد\”.
يعتقد كثيرون أن رمسيس الثاني الفرعون الشهير هو فرعون الخروج، \”الذي اضطهد اليهود وطاردهم وغرق في البحر بعد أن شقته عصا النبي موسى\”، فهل رغب مالكوفتش في زيارة عدو اليهود القديم؟، وهل وقف أمام تماثيله الأربعة ليقول له \”ها نحن قد عدنا\” كما قالها جنرال فرنسي لصلاح الدين حين وقف عند قبره في دمشق عام 1920.
ربما يكون حسين سالم الذي تعدى عمره الثمانين وجمدت أمواله في مصر وأسبانيا محقا في أمر معاناته منذ هروبه، فهل سينجو مالكوفيتش (61 عاما) من مصير صديقه سالم، أم سيتعرض لمصير مختار أليازوف الملياردير من نفس البلد الوسط – أسيوية، الهارب في أوروبا مواجها اتهامات بإخفاء ثروته في إنجلترا أمام محكمة، واتهامات باختلاس 3 مليارات دولار من بنك حكومي كان يديره في تلك الدولة؟.
متى يختفي من حياتنا هذا العالم الذي تختلط فيه اللصوصية بالمخابرات وشبكة علاقات السلطة بالفساد، والجوع بتخمة موائد الأثرياء المكدسة بالطعام؟.