دير بالك، أنني استطيع أن اتكلم عن أي مكان في العالم بأريحية، وربما باندفاع أيضا. ما عدا سيناء، ففي كل مرة اتحدث عنها، أو اكتب بوست على الفيسبوك، قبل أن ابدأ الحديث أو الكتابة، احاول التأكد من وقفتي! هل أنا واقف في مكاني صح؟ حتى لا اتجاوز مساحتي وإن لسنتيمتر واحد. ومساحتي هي مساحة البدوي الماكر المخادع تاجر المخدرات سارق أحذية الجند في المعركة الوهمية \”والإرهابي أخيرا\”، لهذا دائما لا اكتب إلا القليل مما اعرف.. القليل مما افهم وأدرك.. بيكون صوب عيني، فقاعات وطنياتية، وبحاول عدم الاقتراب منها.. عدم مسها.. تلك فقاعات ملتهبة وأي لمسة.. غمزة.. ستفجرها في وجهك، وسيكون انفجارها مريعا. اللعنة: ذاكرتي تقول في كل مرة حومت حول تلك الفقاقيع خرجت مدمى الروح والجسد.
مثلا: كل من لديه عقل يعرف أن الدول غير الحديثة ليست مؤهلة للحرب على الإرهاب، وأن الجيوش التقليدية لا تحسم الحروب ضده.. بس لما طلعت الجيوش على سيناء، تحدثت كما يتحدث المساكين وقلت: لا تدخلوا الجيوش في رمال سيناء، وبعدها اضفت: في فمي ماء. وحين صار واضحا للكل ان المعركة صعبة الحسم في سيناء، لقيت حالي بكتب: لا أحد سيجلب النصر من سيناء.
قبل أن تبدأ الحرب، كنت قاعدا في انتظار دخولي لاستوديو إحدى القنوات الفضائية، وكان معي لواء. صحيح أنه على المعاش، لكنه كان قبل إحالته للمعاش، يقود واحدا من الاقسام فائقة الأهمية في الجيش. وفي جملتين أو ثلاثة تحدثنا عن الإرهاب في سيناء وعن سُبل مواجهته.. تحدث الرجل باستهانة شديدة، وعن قدرة على حسم الحرب في أيام قليلة.. تكلم عن ارتكازات سيطرة على النقاط المهمة على الأرض. ولما سالته: بس النقاط دي ستكون هدفا سهلا لمهاجمتها؟. قال: ما انا بحصنها كويس باكياس رمل وحاجات تانية، وبدا لي أنه لا يريد الإفصاح عن الحاجات التانية. وانا لم أُلح واكتفيت بإشاراته السريعة والمقتضبة.. ليس لأنني اقتنعت بما قال، وإنما لأنني قلت لحالي: \”بعيدة مصر يا خيالة\”، وهو مثل بدوي الناس بيقولوه، لما يكون الكلام النظري في بلاد، بينما الكلام العملي في بلاد ثانية خالص.
حين بدأت الحرب، كان الدواعش \”الناس في سيناء يسمونهم الجهادية\” يتحركون على استحياء شديد، ولا يكاد أحد يرى حركتهم.. اليوم وبعد ما يقارب العشرين شهر، صاروا يتحركون والهواء الطازج يملأ رئاتهم. يقيمون الأكمنة على الطرق.. يقتحمون البيوت ويقتلون الجواسيس قدام نسوانهم وأطفالهم. أما الدولة فقد صارت تحط جواسيسها (الثقال) مع أسرهم داخل ثكناتها المدججة بالعساكر والبارود، وهو وضع مريع.. إذ أن الناس صاروا يتساءلون، هو كيف فلان راضي يقعد حرمته في نص العساكر؟!
كل هذا لم يكن مهما.. أهي دولتنا وقاعدين نخبص.. إحنا وياها وخلاص. تعودنا عليها وتعودت علينا، وعندنا تاريخ في التعامل معها وعندها تاريخ في التعامل معنا، وكمان إن غلطت علينا، مهما كان غلطها، فهي الرب الصغير وضرب الحكومة شرف، لكن المريع سيكون إن حطت الدولة يدها في قعر بئرها، وأخرجت منه حروب قبائل.. حينها ستدخل سيناء في حروب قبلية مريرة ودموية.. ستكون الدولة اول الخاسرين فيها. بس كده.. خلاص كده.