مينا جورج يكتب: عربة السيدات والنصر المُبين

كم فتاه تستخدم مترو الأنفاق يومياً للذهاب إلى عملها أو إلى جامعتها، تتعرض بشكل دوري مُتكرر لحالات تحرش جسدي أو لفظي أثناء رحلتها إليومية؟ تلك النظرات الفاحصة التي تستكشف مفاتنها ومنحنيات جسدها وتخترق الملابس – أي ملابس – التي ترتديها، فتحاول تلك البائسه تقليل تلك النظرات الجارحة غير البريئة بركوب عربة السيدات في مترو الأنفاق، وتعول هم الطرق والشوارع، حتى أصبحت تلك العربه هي الملاذ الأخير لها في رحلتها اليومية.

غالباً لا ادقق النظر أثناء ركوبي للمترو في عربة السيدات، لكن عندما وقع بصري على بعض المشاهدات، استطعت من خلالها معرفه مدى أهميه تمسك الفتيات بحقهن في عدم ركوب الرجال – أشباه الرجال إن صح التعبير – لتلك العربة المخصصة لهن، فالفتيات يبحثن دائماً عن مكان آمن لا يتم التحرش بهن فيه، أو يتعرضن لنظرات خادشه للحياء، فإن قامت فتاة بطرد أحد المتسللين إلى تلك المساحة اعتبرته إنتصارا لها وهو في واقع الأمر خزي وهزيمه لنا جميعاً.

ها هي فتاة غالبها النعاس، فأغمضت عينيها واتكأت برأسها على نافذه المترو، تحاول سرقه بعض من الراحه قبل أن تستأنف معاناتها اليومية في شوارع المحروسة، وها هي فتاة أخرى تستأسد في معركة مع حر الصيف، وجدت فرصة أن تستعدل حجابها في مساحة لن يتجاوزها أحدهم، ويكشف ما تحاول أن تستره حسب تعاليمها.

فتاة أخرى تتحدث في هاتفها، وأخرى تملأ الكون ببهجة ضحكاتها المُختلسة مع صديقتها، دون أن يظن أحدهم أنها فتاة رخيصة تحاول اصطياد الزبائن – كما يظن نسبة كبيرة من الرجال إذا وجد فتاه تضحك في الأماكن العامة، وكأن الضحك هو علامة العُهر أو تصريح بالتحرش في أحسن الأحوال!

هناك أمر يصيبني بالدهشه دائما، وقد حاولت مراراً أن احلل هذا الأمر، لكني افشل في نهايه المطاف.. لماذا تقبل بعض النساء من ذوات الأعمار الأكبر سناً بأن يتم إنتهاك خصوصياتهن في عربة السيدات، بل وأحياناً نجدهن في بعض الروايات، يٌدافعن عن عديمي النخوة الذين يتجردون من جينات الرجولة، ويسمحون لأنفسهم بالتواجد في أماكن مخصصة للنساء؟! لماذا يقفن ضد الفتيات اللائي يثُرن على هذا التجاوز في حقهن، وتبدأ روايات \”خلاص يا بنتي سيبيه يركب\”, \”ما هو الراجل واقف ساكت أهه\”، \”يعني هو كان جيه جمبك ولا كلمك\”.

على الطرف الآخر، نجد بعضاً من مُدعي التحرر والعلمانية وخلافه، يختزلون تحرر المرأة في خلع حجابها.. إشكاليه تطل علينا كل حين وآخر، فيخرج بعض المشايخ يجرمون تلك الدعوات، ويرد عليهم الطرف الآخر بحجج أخرى، وتُفرد لهم ساعات متواصلة من البث المُباشر وحلقات التوك شو، ويدخلون في مناظرات ومهاترات تٌلهينا عن أحداث أولى بالاهتمام والمتابعه.. إلهاء مُستتر خلف قناع الدفاع عن حقوق المرأة.

تحرير المرأة في أن تسير بالشوارع دون خوف من أذى أو تحرش أو خطف أو إغتصاب.. تحررها يكمن في التحرر من قيود مجتمعية بالية وتابوهات أكل عليها الدهر وشرب.. تحررها نابع من إيمانها بشخصيتها المُستقله وقدرتها على التغيير والقيادة، وأن تسير بخطوات ثابتة مرفوعة الرأس، لا أن تسير مُهرولة تضع وجهها في الأرض حتى لا يتوهم أحد المُختلين عقلياً أنها فريسة سهلة الاصطياد.

نحن نتحدث عن أجيال من الفتيات يتم تشويهها نفسياً وجسدياً، وسوف نجني في المستقبل نتيجه صمتنا المخزي عن تلك التجاوزات، ودفن الرؤس في الرمال.. سوف ندفع الثمن، وسيكون باهظا.

حرروا المرأة في خيالكم أولا، فتتحرر في واقعكم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top