هالة جلال تكتب: هل يمكن أن نعبر للمستقبل بانتهازية أقل؟

المحللين السياسيين في مصر بيتكلموا عمن فاز بالحكم.. مش بيتكلموا عن هزيمة الظلم، اللي هو النجاح الوحيد لأي ثورة.

الإخوان شاركوا في الثورة ودعموها، ثم اتفقوا مع العسكر، وفازوا بالحكم وأطيح بهم وذبحوا، وهذا المسار له دلالة في ظني، أنهم انتهازيون، لكن السياسيين لا يجدون مشكلة في الانتهازية، لأنهم يسمونها الاختيار العملي.. الواقعي، أو الحكمة.. أو أو.

انا كنت اسمع دايما عن التحالفات السياسية، واستغرب: إيه اللي جاب القلعة عند البحر؟! استغرب يساريا ينتخب يمينيا متدينا، واستغرب مسيحيا يتحالف مع قاتله.. إخوانيا يصل للحكم بتحالف مع العسكر، واستغرب صوفيا يدعم سفاحين!

طلع بقى كل ده بسبب فهمي البطيء!

طبعا الرد الجاهز الساذج بتاع إني باحاول اختار الأخلاق، أو إني عاملة نفسي نقية، مش حقيقي، وأنا مستغربة ممن استعملوا مصطلح (النقاء الثوري)، ليسبوا ويدينوا من رفض التحالفات التي وافقوا هم عليها، لأن المسألة ليست مرتبطة بالأخلاق ولا النقاء.. هي فقط مرتبطة بوضوح الهدف.

لو أن الهدف هو الصعود على رأس السلطة بسبب الشره أو بسبب القناعة

أن التغيير لن يتم بغير هذا، إذن أنتم كذبتم على أنفسكم وعلى كل الناس، أما لو أن الهدف هو فعلا محاولة هزيمة الظلم.. محاولة تحسين شروط الحياة.. محاولة تقليل معاناة البشر.. محاولة دعم الحرية، وإحداث تغيير، فالانتهازية لا توصل هناك.. فإما أنكم مغرضون أو مخطئون.

لم اتمكن من فهم الدوافع، حتى بدأ المشهد يزيد إحمرارا من الدم.. المذبحة.. أحكام الإعدام.. التفجيرات، والقنابل، والخرطوش، والتعذيب. الكتلتان المتصارعتان على السلطة، سواء المنتصرة أو المهزومة.. أنا لا اتعاطف مع خطابهما ولا اختياراتهما ولا مصالحهما، واندهش من انقسام الناس وهرولتهم على دعم أي منهما، لكن شيئا ناقصا لا افهمه.. كيف يوافق المتدينون والطيبون وأصحاب الضمير، ويحتفلوا بإعدام شخص؟ أو بتعذيب شخص؟ أو بقتل شخص بالخرطوش؟ وكيف يوافق المتدينون والطيبون وأصحاب الضمير من المعسكر الثاني على تفجير شخص؟

تبين لي أنهما يشيئان العدو، ويرون أنه لا غضاضة إذا لم يتم الإمساك بالقاتل الأصلي.. أن يقتلوا أي واحد بداله حتى لو لم يقتل.. سواء بالقنبلة أو الخرطوش أو الإعدام.

الأطراف التي تبنت النظريات الانتهازية، والتي تدعم التحالف مع الخصوم، وليس التصالح معهم، وإنما هو تحالف انتهازي، والذين برروا الجرائم، فشلوا جميعا.

اليوم افكر، هل يمكن لإخواني أن يعترف بمذبحة الأرمن ويدين المسلمين الذين ارتكبوها؟

هل يمكن أن يتسامح مع فكرة تجريم الإعدام في المطلق، زي حالاتي، وليس لإنقاذ مرشده ؟

هل يمكن لحلفاء العسكر أن يدركوا أن الإعدام جريمة، ولو ها تخلصهم من الإخوان، وأن معاملة الأبرياء من الإخوان مثل القتلة منهم، وتشييء الناس جريمة؟

هل ممكن أن يدينوا مذبحة الأرمن ويدركوا أن ما حدث في رابعة شديد الشبه؟

هل يمكنهم أن يعترفوا أن قتل المتظاهرين في الشارع بالخرطوش أو بغيره جريمة؟

هل يمكن أن نعبر للمستقبل بانتهازية أقل وبالتخلي عن محاولات السيطرة على العباد والموارد.

أنا لا اغفل الصراع الاقتصادي ولا الفساد ولا تصارع القوى العظمى.. أنا فقط أظن أننا لو قللنا الانتهازية في مواقفنا وتحالفاتنا، قد نخلق فرصة حقيقة للمكسب، خصوصا أن طريقتكم العقيمة لم تصل بنا إلا للخسارة كل مرة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top