تدثرت جيدا بشالها الصوف، وهي جالسة أعلى الدرج لتقص علينا وهي تتثاءب قصة تتناسب ودرس اليوم من حصة الدين، والتي كانت تدور حول حرمانية \”اغتياب\” الآخرين، مبرهنة على ذلك بحكايتها عن فاطمة بنت الرسول (ص) التي ذهبت لعُرس إحدى الفتيات، وقبل أن تفعل وضع لها النبي مشروبا ما في فمها، لتظل صامتة ولا تنم مع الأخريات، حتى عادت إلى المنزل، وعندما سألها أبيها عن العُرس، قالت إن العروس كانت قصيرة، فغضب النبي لأنها اقترفت ذنبا وأخذت من سيئات العروس بوصفها ذاك، فما كان منه إلا أن أخذ شال فاطمة الذي ذهبت به، ووضعه على قارعة الطريق، فما أن رآه اثنان من المارة حتى تساءلوا عما يفعله شال فاطمة في هذا الوقت من الليل، وبذلك قاما باغتيابها فحملا عنها ذنب الغيبة.
لم يدر في خلدي سوى سؤال واحد.. هل الغيبة حرام وما فعله الرسول بتحميل الآخرين لذنب ابنته هو حلال وليس تنصلا من ذنب يعرف به الله؟! على الرغم من مقولته الشهيرة عن قطع يد ابنته لو اقترفت السرقة ليحسم أمر السارقة التي كانت من علية القوم.. لم أسألها، فمعلمة اللغة العربية وبالتبعية معلمة الدين مقتنعة بما تقول، ولن تبدد حيرتي التي صنعتها، فهي بالأساس لم تفكر في منطقية ما تحكيه لنا.
ثم بعد فترة كان شخص آخر يحكي لنا عن الرجل الذي عذب أبوه وطوق رقبته كالحمار، وعندما سألوا عن سبب فعلته كانت الإجابة أن أباه فعل بجد الولد نفس الفعلة التي قام بها الجد لأبيه، حينها تحول سخطهم إلى إيمان بأن ما يفعله الولد الآن هو تخليص لذنب وتوقف اشمئزازهم فجأة!
دار عقلي ثم قلت له -وأنا في نصف عمره- إن كل ابن في هذه العائلة سيحل لنفسه ما يفعله، وكأنه يخلص ذنب الذي قبله، لكنهم في الحقيقة كلهم مذنبون ولهم نفس السيئة وأعتقد العقاب، فلم لا يتوقف ويكون إنسانا عالما أن الله وحده من يحاسب، ونحن لسنا جلاديه على الأرض ويرفق بأبيه الذي من الممكن أن يتوب عن أذية الآخرين، وإلا فكل ابن أو ابنة سيعاقب والديه على ذنوب مختلفة أو خصال وسلوك، وبذلك فلا معنى للآيات التي أمرنا الله فيها بالرفق بالوالدين مهما اقترفا، ولا معنى لصبر نبي الله إبراهيم على أبيه والصحابي الفلاني على أمه، والأمثلة تملأ الأرض حد عرش السماء، فسكت طويلا ولم يجب، وبعد قليل هز كتفيه وأدار عينيه إلى التلفاز.
ويحدثوننا عن \”فتح\” المسلمين لبلاد غيرهم بالسيف بغرض الدعوة، ويستنكرون في الحصة التي تليها \”غزو\” المسيحيين لفلسطين باسم نفس الدعوة \”حماية الدين ونشره\”، والغرض واحد.. هيمنة سياسية تغلفها أطماع.. كل على حسب دوره.
في فترة مراهقتي ترددت كثيرا كلمة \”إسرائيليات\” وأنها أكاذيب تجدها في صورة جمل بسيطة بين عدة أسطر حقيقية في كتب الدين، لكنهم لم يعلموا أبداً أن من يروج للأكاذيب هم معتنقي الديانة نفسها، وأنهم يرددون كالببغاءات خوفا من أن تصيبهم لعنة المقدسات، وكأنهم يقرون بالإزدواجية بمباركة الإله الذي يعلم بالنوايا الطيبة، وما أكثر النوايا الطيبة التي انتهت بدماء.