تخرجت في كلية الفنون الجميلة – قسم النحت – جامعة الاسكندرية عام ٢٠٠٦.. الأولى على شعبة النحت العام، والثالثة على دفعتي بتقدير عام جيد جدا.
كان حلمي الأول أن أكون عضو هيئة تدريس، وأُدرّس الفن الذي أهواه منذ صغري، وللأسف لم يحدث هذا بسبب ثغرة ما بين لائحة الجامعة وخطة التعيين، وكان التعليق الذي سمعته من عميد كليتي – وقتها- حرفيا: (Bad luck)، وتعليق أحد الأساتذة: \”لازم تعرفي إن الإنسان بياخد نصيبه.. مش بياخد حقه، وبكرة تلمعي برة الكلية، ونندم إنك ما اتعينتيش\”.
لجأت للقضاء، وللأسف لم أصل لشيء، وكانت أول مرة اشعر بالظلم، وشعر بشيء ما ينكسر بداخلي، وتجنبت زيارة كليتي تماما لعامين كاملين.
محاولات تعديل الحلم:
عملت في متحف محمود سعيد بالأسكندرية عام ٢٠٠٧، ذلك المكان العريق الذي يحمل احتمالات قوية ليكون مركزا ثقافيا مهما بشدة في الأسكندرية، لكن للأسف أغلب طاقاته معطلة ومهدرة بسبب البيروقراطية والمركزية، وتم أغلاقه فترات طويلة للترميم.
ورغم أن وظيفتي أمينة متحف.. وظيفة نمطية محددة فقط في عمل جولات فنية إرشادية للزائرين، إلا أنني في خلال سنوات عملي، تطوعت للإشراف على ورش لتعليم النحت للأطفال، وقمت بعمل فيلم تسجيلي قصير عن حياة الفنان محمود سعيد، تم عرضه باحتفاليات المتحف، وأهديت الوزارة نسخة منه، وتم إنتاجه بالإمكانيات الشخصية لي.. حتى التعليق المصاحب كان بصوتي.
أثناء عملي درست الإخراج، وفن الحكي، وبدأت في مجموعة قصصية على وشك الاكتمال، وأدرس الآن دبلومة في علم النفس، وبناءا على نصائح الكثير من اساتذتي في قسم النحت، رجعت إلى كليتي وقدمت لدراسة الماجيستير، وحصلت على تمهيدي ماجيستير بإمتياز، ثم ناقشت رسالتي في ٣٠-١-٢٠١٤، ونلت الدرجة، وكان عنوان رسالتي \”تقنيات النحت البارز على الأسطح المعدنية الصغيرة\”.
الخلاصة أننى كنت احاول طيلة الوقت أن أصنع من الليمون المالح أكوابا من الليمونادة المسكرة المنعشة.
زيارة معالى الوزير:
يوم الأحد الماضي ١٢ أبريل ٢٠١٥.. فتح باب المتحف ودخل رجل يبدو من مظهره أنه مسئول، وحوله بعض الحرس الخاص وبعض من رجال أمن المتحف.. عرف نفسه أنه مبعوث من مكتب الوزير – وكنت اعرف الوزير اسما ولا اعرفه شكلا- رحبت به، وأجبت على جميع أسئلته، وقمت بعمل جولة له، وأستضفته في مكتبي، وعندما علمت أنه هو السيد الوزير، حمدت الله وتنفست الصعداء، وقررت أن أحدثه في مشكلتين.
أولا: أن عدد الموظفين في إدارة المتاحف قليل للغاية، خصوصا أن المتحف تم افتتاحه مجددا منذ شهور، ويعمل بكامل قوته الآن.
ثانيا: مشكلة البيروقراطية والمركزية، والتي توقف أي اقتراح لتطوير العمل أو شكوى من أن تنفذ، إلا بسفر الموظف بنفسه إلى القاهرة.. متحف كبير يحوي العديد من الإدارات ليس لديه إدارة قانونية، أو حتى إدارة مالية، مما يضر بسير العمل، كما أنه ألحق بي ضررا مباشرا، وشرحت له بجمل مختصرة تضرري الشخصى من ذلك.
وكان رد السيد الوزير: \”أنا بقى عندي مشكلة مع الموظفين التخان\”، ثم وجه الكلام للسيدة نظيرة طمان مدير المركز: \”خليها تنزل وتطلع سلالم المتحف كل يوم ٢٠ مرة عشان تخس، وبعدين أنا دخلت لاقيتها قافلة مكتبها لتكون مخبية أكل جوه!\”
فردت السيدة المسئولة: \”إوعى يا عزه تكوني جايبة بطاطس محمرة بتاكليها جوه\”، وسط ضحكات الأمن الخاص بسموه، وأمن المتحف وبعض الموظفين.. وأنا احاول أن أرفع صوتي: \”يا افندم الشكل مالوش دعوة بشغلي.. يا افندم أنا مفيش أكل في مكتبي.. يا أفندم أنا حقي ضايع\”
رد سيادته: \”عايزة الـ ٨٠ جنيه العلاوة يعني؟!\”
وأشار لأحد الموظفين: خد اسمها.
ولم ينس معاليه في نهاية الزيارة أن يناديني، ويأمرني: :ياللا يا عزة.. اجري في جنينة المتحف زي ما اتفقنا عشان تخسي\”
فقلت: \”أنا مش هاجري ومش هاخس.. أنا مبسوطة بنفسي كده.. ياريت سيادتك تكون مبسوط\”
وكأنني دب أو فيل في السيرك يوشك سيادته أن يمسك عصا ليدربني بها!
وانتهت الزيارة، وانصرفت أبكي بحرقة في الشارع حتى منزلي.
الفساد الأدارى:
عندما قدمت ورقي الخاص بتسوية درجتي الوظيفية بعد حصولي على درجة الماجيستير إلى إدارة المتاحف في القاهرة في سبتمبر 2014، أضاعوا شهادتى، وفؤجئت بطلب من الشئون القانونية بالتحقيق معي، لأني لم أرسل الشهادة شهر ١١-٢٠١٤ ، ونتيجة لهذا التحقيق تم توجيه لفت نظر لي! رغم إرسالى كامل الأوراق التي تثبت براءتي، وكان هذا في ظل تجاهل تام من مديرتي المباشرة مديرة متحف محمود سعيد السيدة منى سعود، وسلبية كاملة من مديرة المركز، وسلمت للأمر الواقع، وأرسلت الورق مجددا، وكنت اهاتف الموظفين في شئون العاملين بالقاهرة بشكل شبه يومي، و\”أتحايل\” عليهم أن يعرضوا أوراقي على رئيس القطاع حتى يوقعها.. كل يوم هذا الهوان، ورد السيدتين المديرتين: \”سافري خلصي ورقك بنفسك مرة واتنين وتلاتة زي زمايلك.. أنتوا جيل عايز يمشي الكون على مزاجه.. هى البلد ماشية كده!\”
ما بعد الزيارة:
في اليوم التالي، قررت أن أروي ما حدث بالتفصيل على صفحتي على فيسبوك..على سبيل التنفيس والصراخ حتى لا أصاب بشلل أو \”أتنقط\”، وكان في بالي وقتها جملة واحدة: آخرها إيه يعني.. هاترفد؟ اترفد أحسن ما افضل مقهورة ومكسورة.. لقمة العيش اللي بالذل بناقصها.. إن شالله حتى اعمل إكسسورات ألف أبيعها في الشارع بكرامتي أهون.
فوجئت بعدها بمشاركة البوست بغزارة، وبسيل من رسائل التضامن والاعتذار من كل الناس، وجمعيات رعاية حقوق المرأة العاملة، وحقوق الإنسان والحقوقيين والأدباء والفنانين والصحفيين والإعلاميين.
وقبل مداخلتي التليفونية في برنامج الإعلامي خالد صلاح، فؤجئت بمحادثة هاتفية من السيد عبد الواحد النبوي افتتحها بجملة: \”أنا بقى الوزير اللي أنتي زعلانة منه يا ست عزة\”، وأكمل محادثته بأنه كان \”بيهزر معايا\”، وأنه يحترم دور المرأة العاملة، وأنه معجب بأفكاري بشدة، ولو كنت مقيمة في القاهرة، لكان سيأخذني لأعمل في مكتبه، وطمأنني بأنه سينهي مشاكل البيروقراطية والمركزية في أسبوعين تلاتة إلكترونيا.
شكرته وطلبت منه اعتذارا رسميا معلنا حفظا لماء وجهي أمام كل من أهنت أمامهم، ومدى زمني محدد لحل شكوتي، ووعدني باعتذار مكتوب من مكتبه على صفحتي على فيسبوك، وهذا طبعا لم يحدث حتى الآن!
ثم فؤجئت بتصريح من د. محمد البغدادي مستشار الوزير، \”أنني انتزعت الكلام من سياقه، وأسأت فهمه، وأن الوزير كان بيلطف الأجواء وبيشجع المرأة العاملة\”!
وتم نشر نفس التصريح على لسان الوزير على صفحة وزارة الثقافة على فيسبوك على أساس أنه اعتذار!
أثار غضبي بشدة نقض الوعد، والتلاعب بعقلي بهذا التصريح الأعوج الذي يحمل الاتهام والإهانة لي، ولا يحوي أي اعتذار، ورفضته.
وتبع ذلك العديد من التصريحات المتخبطة من الوزير من عينة: \”إنا كنت باهزر\” و\”أنا قلت لها خسي عشان لقيتها تعبانة\”، و\”قلت لها كلنا محتاجين نلعب رياضة\”.
والسيدة المديرة أقسمت وأنكرت على صفحتها كل ماحدث، واتهمتني بحب الشهرة، وأنني أتآمر لاسقاط الوزير الناجح، واتهمت بعض الصحفيين بالتؤاطو لجعلي بطلة، وصرحت أنها لن تحرر ضدي محضر سب وقذف وستكتفي بتحويلي للتحقيق! ثم سحبت كلامها وطلبت أن اعتذر لها!
اعتذر لها عن سلبيتها تجاه مشكلتي طيلة الشهور الماضية؟ أم عن إهانتها لمنصبها بعدم حمايتي، وإهانة حال موظفيها، كونهم يحضرون بطاطس محمرة لمكاتبهم؟ أم التواطؤ والتهديد؟!
ولا ادري حقا.. كيف يصل الحال بامرأة عاملة مسئولة، ألا تشعر بالإنزعاج والإهانة من هذا الاعتداء والتحرش اللفظي والخطاب العنصري.. هذا يدل على مدى تعايشها مع نمط تفكير عفن يختزل المرأة مهما بلغ نجاحها في قطعة لحم مستباحة بالنظر والتقييم!
والجدير بالذكر، أننى تلقيت اقتراحات من مكتب الوزير عبر زميلة، أن اتوقف عن المطالبة بالاعتذار مقابل إنهاء ورقي، ورفضت كل هذه الاقترحات.
الاعتذار فضيلة:
الاعتذار ليس لشخصي أنا فقط.. الاعتذار لكل امرأة عاملة تتعرض لتفرقة ويتم اختزالها في جسد، ولكل مثقفي مصر لأن ممثلهم في الوزارة يتهرب من مسئولياته ناحية الثقافة في مصر، ويتفرغ لحل مشاكله مع التخان، لأن لديه خللا في المفاهيم بين تشجيع المراة وإهانتها والتقليل من شأنها.
هل لو كنت ممشوقة القوام، كنت هتحل مشكلتي يا معالي الوزير؟
سيادة الوزير صرح بوجود فائض ٢٢ مليون جنيه ميزانية في وزراته، يجب أن يتم إنفاقهم قبل شهر يوليو القادم، لكنه يسخر مني لأنني اطلب علاوة الماجستير التي تقدرها الدولة بـ ٨٠ جنيها، بدلا من أن يسعى لرفعها تشجيعا لنا.
سيادة الوزير.. أنا لا أجيد تسلق السلالم، ولا الجري في حدائق المتاحف، ولا آكل البطاطس في المكتب، لكنني أجيد نشر الوعي الفني والجمالي، وهذه هي شروط وظيفتي.. هل تعلم سيادتك ما هي شروط وظيفتك كوزير ثقافة في بلد عريق مثل بلدي مصر؟
أنا لا ادري، هل هناك قوانين في بلدي، تجرم إهانة موظف أثناء تأدية عمله، وممارسة التمييز والتحرش اللفظي؟ لماذا الصمت التام من المركز القومي للمرأة حتى الآن؟!
رسالة إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية:
أنا شخص هاديء ومسالم، يترك التعبير عن نفسه لعمله، لكن رباني أهلي على أن الكرامة والإنسانية أهم من الحياة ذاتها.
أنا عزة عبد المنعم.. مواطنة مصرية.. لا تفقه شيئا في السياسات والقوانين.. كل ما اأعرفه هو الفن والإنسانية.. أنا ارى الجمال في الناس دائما.. إنسانيتي وكرامتي جُرحت بشدة، كأنني كنت أقف عارية تماما وسط دائرة من الناس يشيرون على جسدي ويضحكون.
لن اتخلى عن حقي في التفوق والنجاح ونشر الجمال.. لن اتوقف عن حبي لنفسى.
أنا مواطنة مصرية حرة على أرض مصرية حرة.. خدمت بلدي بمنتهى الأمانة، ومن حقي أن اشعر بالأمان والحماية والكرامة والتقدير في بلدي.
لا استطيع التنفس على أرض اسير فوقها مقهورة ومنكسرة، ولن افقد إيماني ببلدي.
سيدي الرئيس.. لقد قام الشعب الحر الأبي بالرد المجتمعي على أكمل وجه، ووجه دفقات الغضب تجاه ذلك الوزير، وقام قطاع كبير من مثقفي مصر النبلاء بالامتناع عن أي نشاط ثقافي رسمي حتى يعتذر وزير الثقافة، بل وطالبوا بإعفائه من منصبه.
توجهت لسيادتك بشكوى مكتوبة يوم الخميس الماضي، والآن اتوجه إلى سيادتك، وكلي ثقة في حرصك الكامل على كرامة المواطن المصري، وفائق تقديرك لدور المرأة في المجتمع.
اطالب برد اعتباري، من السيد الوزير الذي استهان بفضيلة الاعتذار، بعدما أصر على إهانتي علانية، أثناء تأدية عملي، ومحاسبته بما ينص عليه قانون بلدي، كما اطالب بمحاسبة السيدة مديرة مركز محمود سعيد على سلبيتها تجاه شكواي، واتهامها إياي بالكذب، وتهديدي بتحويلي إلى التحقيق.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.
مقدمته: عزة عبد المنعم فرج
فنانة تشكيلية وأمينة متحف محمود سعيد.