محمد حسني أبو العز يكتب: الحشيش يا ريس

دعنا نتفق مبدأياً أننا في أيام سودة.. لو كنت غير متفق معي في هذا، فهنيئا لك.. أما لو كنت متفقا معي، فأنت بالتأكيد ترى أنه بينما تنشغل دولتنا المصون في عليائها بمكافحة الإرهاب والتظاهر والإلحاد والشذوذ وأي حاجة تيجي في وشها، ننشغل نحن على أرض الواقع بمكافحة الاكتئاب والقلق والتوتر والهواجس والبلا الأزرق إللي طلع على جتتنا، ومن أهم وسائل مكافحة هذا البلا الأزرق: \”الدخان الأزرق\”.. الحشيش.. ذلك الذي ثار حوله مؤخرا نبأ مفاده أن الحكومة أخيرا بدأت تفهم وبدأت تفكر (زي الناس العاقلين) في تقنينه والسماح ببيعه وتناوله وتعاطيه.

والحشيش مبدئيا كده هو مادة تستخرج من نبات \”القنب الهندي\”.. اللي هو \”البانجو\”.. إللي هو هو نفسه \”الماريجوانا\” (بس فصيلة تانية).. لكن لا يمكن استخراج تلك المادة إلا عندما يزرع النبات في مناطق جبلية عالية (مثل أفغانستان والمغرب)، لذلك فنحن غالبا ما نستورده.. أما النبات نفسه فيمكن زراعته في أي مكان، لكن وقتها لن تتمكن من استخراج تلك المادة منه، لكنك مع ذلك يمكنك تدخين ثمار النبات نفسه، وهو ما يسمى: بـ\”البانجو\”، وهو أرخص سعرا لكنه أقل جودة.

وبعيدا عن الاحصائيات الكئيبة، فإنني استطيع أن أؤكد لك أن من يدخنون الحشيش في هذا البلد كتير أوي.. لأ كتير أوي أوي يعني (ده إذا ماكنتش إنت عارف)، ولكي أقرّبها لك، هو عدد أقل بقليل ممن يدخنون السجائر.. فشوف إنت بقى.. وهذه ليست مصيبة ولا كارثة كما اعتادوا أن يرددوا لك، فالحشيش مجرد مادة مهدئة، يبعث تدخينها على الهدوء والاسترخاء والبهجة والتأمل، آثارها الجانبية بسيطة، حتى إنها تستخدم طبيا في العديد من العلاجات، ولا تؤدي إلى الإدمان الفيزيائي (بمعنى أنها ليس لها أعراض انسحاب)، ولا تؤدي إلى العنف أو العدوانية مثلا مثلما تؤدي الخمور (المسموح ببيعها و تداولها)، بل بالعكس فهي تجعل مدخنها مسالما ولطيفا.. آه والله العظيم.. ويمكنك أن تتأكد من كلامي هذا إن أردت.. فقط الافراط في تدخينها هو ما يتسبب في أضرار صحية على المدى الطويل، تمامًا مثل السجائر، ومثل الكثير من الأشياء التي اعتدنا تناولها.

كل ما في الأمر أن هناك مافيا كبيرة جدا ونافذة، خيوطها معقدة ومتشابكة للغاية، تدير تجارة الحشيش، التي تدر عليها مليارات لا أول لها ولا آخر، تلك المليارات التي سوف يدخل للدولة منها الكثير جدا في صورة ضرائب، لو تم تقنينة والسيطرة على تجارته من قبل الدولة.. ناهيك عن الرقابة التي ستمنع غشة بالبراشيم والأنفيتامينات والمواد المهلكة، وستجعل سعره أرخص من الهيروين، تلك المادة المصنعة والمدمرة، والتي تمثل خطرا حقيقيا، خاصة وأنها صارت أرخص من الحشيش، وسيكون كذلك الحصول عليه أسهل من البراشيم، تلك التي تؤدي إلى الكثير من جرائم النفس.. ناهيك عن أن وزارة الداخلية ستكف عن البحث في جيوب إللي رايح وإللي جاي وفي جزمته وفي شرابه عن سيجارة الحشيش البائسة، وتلتفت بقى لعملها الحقيقي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، فمتعاطي الحشيش ليس مجرما، ولا يؤذي المجتمع في شئ، وأغلب من يتعاطون الحشيش للعلم يعني شخصيات محترمة ومسالمة، لكنها فقط وسائل الإعلام التي جعلت من كلمة \”حشاش\” في وعينا الجمعي شتيمة.

ولن أحدثك هنا عن تجارب الدول \”المتقدمة\” التي تنبهت إلى كل هذا وقننته، ولا عن الموجة العالمية التي تتجه الآن إلى تقنينه في الكثير من الدول الأخرى.. فوالله .. تالله ..لو اجتمع شعوب الأرض على عدم تقنينه.. لو اجتمع الإنس والجن على عدم تقنينة.. لكان تقنينه لدينا واجبا.. فإن ما نعانيه في هذا البلد ليس بالقليل.. وإن من يتعاطونه، يتعاطونه في الغالب فقط ليعينهم على الصبر على هذا الابتلاء، وعلى تحمل الحياة في هذا البلد العجيب.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top