يقول ما اصطلح على تسميته بالفنان محمد صبحي: ماذا أعطى الشباب اللي عندهم 20 و 22 سنة لمصر عشان يزعلوا منها؟
تصادف أني قرأت هذا الكلام \”الأهطل\”، وأنا أعكف على كتابة جزء من الطعن بالنقض على الحكم الصادر ضد رفاقي في قضية مجلس الشورى بالحبس من 3 إلى 5 سنوات، وطبعا لا يعلم الفنان أن عبدالرحمن عاطف وأحمد نبيل، وعبدالله جمال، وممدوح جمال، وعبدالرحمن سيد، وعبدالرحمن طارق، ومحمد حسام، ومحمد الرفاعي، ومحمد يسري، وبيتر جلال يوسف ومحمود عبدالعزيز، هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و 22 سنة، وحاولوا أن يعترضوا على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فكان مصيرهم السجن 3 سنوات لكل منهم.. لا يعتبر الفنان هذا عطاء، لأنه لا يحمل معاني سامية مثل مسح الجوخ والتهليب والنفاق السياسي ولا مصطلحات الحقبة الناصرية، التي ترعرع الفنان في ظل أزهى سنواتها \”نكسة 67\”.
باسم محسن أو بالأحرى الشهيد باسم محسن، الذي ترك دنيانا، وهو ابن تسعة عشر عاما، بعد رحلة كفاح، أعتقد أن الفنان في مثل عمره، كان يبحث عمن ينافقه لكي يعطه دورا هامشيا في أي عمل سينمائي أو تليفزيوني هابط، بينما باسم دفع عينه اليسرى في محمد محمود دفاعا عن رفاقه، في مواجهة بطش الأجهزة التي لا أعتقد أن الفنان استطاع يوما أن يتوقف عن نفاقها تحت خشبات المسرح، وحكم على باسم بالحبس سنتين بواسطة محكمة عسكرية بسبب تضامنه مع رفاقه المتظاهرين احتجاجا على مذبحة العباسية، وقطعا لا تعني المذابح للفنان شيئا، وليس الاعتراض عليها شيئا مما يعتبره الفنان واجبا وطنيا، وبعد مشاركة الشهيد في كافة الفعاليات ضد حكم الإخوان – لا أعلم أين كان الفنان وقتها- لاقى مكافأة من النظام الذي يدافع عنه الفنان بكل جوارحه، وكانت مكافأة باسم عبارة عن رصاصة أردته قتيلا.. لم يعط باسم شيئا لمصر، فلم يتمكن من تمثيل أدوار هابطة ولا تقديم كوميديا ثقيلة الظل، ولم تكن تسمح له أخلاقه بالنفاق، فدافع عما يؤمن به حتى استشهاده.
48 ألف جندي مصري تتراوح أعمارهم بين 19 و 22 عاما هم قوام الجنود الذين يتردد أنهم سيتم الزج بهم في حرب بالوكالة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، يحملون سلاحهم ويقاتلون في بلاد ليست بلادهم – بالأمر- وقد يعودون، وقد لا يعودون، إنما هم يحملون أرواحهم على أكتافهم بسبب رعونة نظام، يرى الفنان أنه نظام وطني وفي بقائه خير الوطن، بينما النظام يضحي بالشباب الذين يتهكم عليهم الفنان إرضاءا للكفيل أو طمعا في الرز.. حقا لا يقدم الشباب شيئا لمصر، وليسوا محقين إن شعروا بالغضب.
لكن أي مصر تقصد أيها الفنان اللوذعي والفيلسوف الكوني؟ مصر التي تملك فيها عددا من القصور والفيلات، ولديك كل التسهيلات لتقديم فن هابط ورصيدا في بنوكها لا يعلمه إلا الله محاطا بالحرس الخاص.. مفتوحة لك كل الأبواب، حتى وصلت بك الوقاحة لتعطينا دروسا في الانتماء، بينما نحن الذين لا نملك شيئا إلا أجسادنا وأرواحنا، ويجود بعضنا بها بسخاء دفاعا عن الحرية والعدالة الاجتماعية؟ قطعا لا تهمك مثل تلك المفردات أيها الفنان اللوذعي، لكن دعني أقدم لك بعض النصائح لكي تجبر هؤلاء الشباب على أن يعطوا شيئا لمصر يرضيك وتقيم عليهم الحجة:
ما رأيك في التبرع بقصورك وفيلاتك لهؤلاء الشباب لاستعمالها كمسارح يقدمون فنهم على خشباتها للناس، حيث إن مسارح الدولة لا تتسع لهم؟
ما رأيك في التبرع بكل أموالك أو جزء منها لتشغيل هؤلاء الشباب الذين تنخر البطالة وضيق ذات اليد في أرواحهم؟
ما رأيك في أن تتبرع بأجرك أو بإيراد أي من أعمالك – التي لا نشاهدها – لأسر الشهداء المرتقبين في اليمن أو الشهداء الذين سقطوا بالفعل في سيناء؟
يمكنني أن أعطيك درسا في الانتماء لا نهاية له، لكنك حقا لا تساوي عندي أكثر من هذه الكلمات الستمائة، ولا يفوتني أن أسألك عن مصير التبرعات التي جمعتها على حس تطوير العشوائيات؟