علا الشافعي تكتب: سينما ماجدة.. والجيل الذي لحق آخر الحاجات

\”سينما ماجدة\”.. هذا العنوان قد يحيل القارئ إلى أننا نقصد سينما الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحى، لكنها واحدة من دور العرض، التي سمعت عنها، وكانت في مدينة قويسنا إحدى مدن محافظة المنوفية، التي تقع في وسط الدلتا.. مدينة كبيرة.. لا توجد بها سوى دار عرض واحدة! كانت تمثل الكثير من الذكريات للأجيال التى سبقتنا، وتحديدا جيل الستينيات.

كثيرا ما كان يروى المقربون أن سينما ماجدة كانت تضيء هذا الشارع ويرتادها الكثيرون من أبناء المحافظة حتى منتصف السبعينيات، وتحديدا في عام 1973، لكن عندما كبرنا نحن في منتصف الثمانينيات – المرحلة التى يتشكل فيها الوعى- لم يكن هناك أثر لتلك السينما، كانت قد تحولت إلى ذكرى، بعد أن تهدم المبنى، وأقيمت مكانه العديد من المحلات التجارية، وتحديدا محل أحذية وآخر يبيع أغراضا يطلقون عليها بـ \”2جنيه ونص\” لأنها تباع بسعر موحد، ومحل بيع أقمشة، لذلك نشأنا كجيل، يعيش على أطراف القاهرة – وتحديدا يبعد الساعة ونصف الساعة عن القاهرة- ونحن لا نعرف شيئا عن ارتياد السينمات، لأن من كان يرغب في ذلك، كان عليه الذهاب إلى محافظات أخرى، مثل القليوبية والغربية

اقتصرت علاقات جيلي بالسينما من سكان الأقاليم على التليفزيون، ذلك الجهاز الذي كان حلقة الوصل بيننا وبين الحياة الأخرى.. أقصد السينما.. عرفنا الأفلام، والنجوم وأسماءهم من ذلك الجهاز، الذي كان يحمل لنا المتعة، والمهتم فينا كان يلجأ أكثر إلى المجلات والجرائد ليتابع أخبار الفن وصناعة الأفلام، وأعتقد أن مثلي كثيرين من أبناء القرى والمحافظات البعيدة، والتي لا يجد أبناؤها متنفسا آخر، وظلت علاقتى بالسينما منحصرة في هذا الإطار، إلى أن دخلت قاعة العرض لأول مرة في حياتى بعد نجاحى في الثانوية العامة.. اصطحبنى والدي، ووقتها كان يعرض فيلم \”المغتصبون\” للمخرج الراحل سعيد مرزوق، وكان الفيلم – وقتها يحقق نجاحا تجاريا كبيرا.. يومها لم أنس رهبة ارتياد تلك القاعة الكبيرة.. كان كل شئ أشبه بالسحر.. الشاشة الكبيرة.. الصوت الذي يحيط بنا من كل جانب، لدرجة أنني خرجت بخوف ورهبة، من تأثير الفيلم وقضيته.

بعدها صار ارتياد السينما في القاهرة هو المتعة الوحيدة، واتذكر تلك التفاصيل، في ظل معركة مصر ضد الإرهاب، وضرورة ضخ الدم وبث الحياة من جديد في السينما – إحدى عناصر القوى الناعمة- فهل يعلم المسئولون عن الدولة والثقافة في مصر، أن عدد الشاشات في مصر تراجع، حتى وصل إلى 150 فقط، وفي طريقها لأن تقل أكثر وتحديدا في صعيد مصر.. تلك المحافظات المهملة دوما، وفي بلد يتعدى سكانه الـ 90 مليون نسمة، ويسيطر عليه وفيه الجهل، ولا تلق الدولة بالا لأهمية الفن ودوره، رغم المؤتمرات التي تعقد والكلام الذي يقال على شاشات التليفزيون والفضائيات، والحديث عن ملايين الجنيهات التى سيتم استثمارها في صناعة السينما، دون أن نرى شيئا يتحقق على أرض الواقع حتى الآن، سوى مزيدا من الكلام والوعود بتحقيق طفرة، بدعوى ضرورة توظيف القوى الناعمة في محاربة الإرهاب، لكن يبدو أننا دولة تفضل الحل الأمنى لسهولته، بعيدا عن التنوير الحقيقي.

مصر صارت اليوم بلدا يسكنه التطرف بإمتياز، وإذا كنا نحن الجيل الذي لحق آخر حاجة من كل حاجة، فهناك أجيال بعدنا، لم تر سينمات صيفية أو غيرها.. لم تعرف قصور ثقافة تقدم الأنشطة والعروض، وهي الأماكن التي تحولت إلى خرابات بالمعنى الحرفي للكلمة، وأجيال لم تسمع شيئا عن الأنشطة المدرسية من موسيقى ومسرح ورياضة، حيث تحولت حصص الأنشطة إلى باقي المواد التعليمية، بهدف سرعة إنجاز تلك المناهج العقيمة التي لا تعمق سوى الجهل وإقصاء الآخر، وكلامي لا يحمل مبالغة، فنظرة سريعة على منهج الصف السادس الإبتدائي مثلا، كفيلة بتأكيد ذلك.. درس كامل عن حرب أكتوبر لم يذكر فيه اسم الراحل أنور السادات مرة واحدة، بغض النظر عن أي موقف سياسي معه أو ضده، ودرس آخر عن ثورة يوليو لم يذكر فيه اسم واحد من الضباط الأحرار سوى جمال عبد الناصر!

لا أمانة في سرد الوقائع، ولا إنصاف للشخصيات التاريخية مهما كان حجم دورها، ولا رغبة حقيقة في البناء، ولا رغبة في التنوير ولا خطوات فعلية لمحاربة التطرف.. فقط حلول قمعية، ولذلك لا نستطيع سوى أن نصرخ بأعلى صوت: انتبهوا مصر ترجع إلى الخلف.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top