وليد فكري يكتب: انتهى الدرس يا صبحي!

كأن مسببات حرق الدم لا تكفيني لأصطبح بذلك التساؤل الاستنكاري المستفز للفنان محمد صبحي: \”ما الذي أعطاه شباب عمرهم 20 و 22 سنة لمصر حتى يزعلوا منها؟\”

يمكنني أن أحيل الفنان إلى قوائم شهداء ومصابي الثورة ومعتقليها، ليطلع على أعمار معظمهم، وهو في رأيي رد كاف على سؤاله، إلا أنني قد رأيت في افتراض جهله بذلك إساءة بالغة له، وهو- كما افترض- الفنان المثقف المخضرم، فضلا عن أن رجلا مثله، يطل علينا كل حين عبر وسائل الإعلام المختلفة ليتحفنا بعباراته الحكيمة الفذة من نوعية أن \”الشعب المصري سيصبح عظيما عندما يدرك أنه عظيم\”، لابد أن لديه من التكشف على بحور الحكمة، ما يكفي لكي لا يضع نفسه في موقف محرج، كأن ينبهه شاب في عمر أحفاده أن معظم من ضحوا لأجل الثورة بأرواحهم وصحتهم وحرياتهم – ومازالوا يفعلون- هم بالفعل شباب يبلغون من العمر 20 و 22 سنة!

كلا.. لابد أن الرجل الذي ختم مسرحيته الرائعة \”كارمن\” بقوله: \”قولوا لأ والسلام\”، لا يقصد الانتقاص والاستهزاء ممن يقولون \”لأ\” لأسباب يرونها وجيهة، فلو أنه يقصد ذلك، فهذا يعني أن خاتمة المسرحية المذكورة، كانت مجرد مشهد تمثيلي من محمد صبحي الفنان، حفظه وألقاه على خشبة المسرح وكفى، وبالتالي.. فعلينا ألا نفترض ظلما أنه نفس موقف محمد صبحي الإنسان، لكن ألا يجعله هذا مطالبا أن يبين لنا على وجه الدقة.. متى يمثل محمد صبحي ومتى يتحدث خارج النص المكتوب مسبقا، حتى نعرف متى نأخذ كلامه بجدية ونحلله ونقرأ ما بين سطوره، ومتى نكتفي بالتصفيق وصيحة \”أحسنت يا فنان\”، ثم ننصرف لشئون حياتنا وهمومها؟

المشكلة أننا هنا في مأزق وضعنا فيه الفنان، باستمراره في أداء دوره المفضل المتكرر في أعماله \”المصلح الاجتماعي\”، بالذات \”ونيس\”، الذي يتقمص حالته خارج بلاتوهات المسلسل، فنراه في البرامج والندوات يتحدث عن المثل والقيم والمباديء بنفس الأسلوب \”الونيسي\”، حتى لنتوقع أن يبدأ حديثه بـ \”أبنائي أعزائي فلذات أكبادي\”، بالتالي فإننا نستمر بتلقائية في التعامل معه – ضمنيا- على أنه ونيس، لكن.. ونيس لم يكن ليستهزيء بأوجاع وغضب الشباب.. لم نره قط يفعل ذلك مع أبنائه المراهقين عزالدين وشرف الدين وجهاد.. لا إله إلا الله.. ما هذه الحيرة؟ هو ليس \”ونيس\” إذن الذي يتحدث، فلماذا تحيرنا معك يا أستاذ محمد صبحي؟ هل أنت ونيس حقا كما توحي بكلامك، أم أن ونيس ليس سوى شخصية تمثيلية افتراضية أخرى، وأن الغلط غلطنا حين افترضنا أنك تتمتع بنفس الأفكار والمباديء والأخلاقيات؟

يبدو أن الغلط عندنا.. حسنا.. نحن نعتذر يا أستاذ صبحي، لكن هلا تفضلت وتكرمت بأن تتحرى الحذر حتى لا توقعنا في اللبس؟

لنضع ونيس جانبا الآن وكل شخصية أخرى قدم لنا من خلالها الفنان محمد صبحي نموذج رجل الحق والمباديء، ولنتعامل مع محمد صبحي الإنسان حتى وإن لم نحبه بنفس الدرجة.. حسنا.. ماذا تريد من الشباب يا سيد صبحي؟

تقول: \”ماذا أعطى شباب عمره 20 و22 سنة لمصر حتى يزعلوا منها؟\” أنا الآن أتعامل مع مواطن عادي الثقافة، وليس مع ذلك الفنان المثقف المطلع المخضرم، الذي تحدثت عنه في أول المقال، فسأجيبك بما أجيب مثل هذا المواطن العادي، وسأحرر نفسي من أسر هيبة الفنان المثقف الـ…. إلخ إلخ إلخ، والتي تفرض عليّ – تأدبا – ألا أفترض جهله بالبديهيات.

سأقول لك إنك تستطيع أن تبحث على شبكة الإنترنت أو عبر أي من أصدقائك الإعلاميين عن قوائم أسماء شهداء ثورة 25 يناير التي تتحدث عنها – وأحيانا باسمها- كثيرا.. بعد الحصول على تلك القائمة، اقرأها جيدا، ودقق في متوسط أعمار أغلب الشهداء.

بالنسبة للبحث عبر شبكة الإنترنت، فلو أنك تعاني مشكلة بعض كبار السن في ضعف القدرة على التعامل مع تلك الأمور، فيمكنك أن تطلب من بعض معجبيك من الشباب أن يقوموا به لك، لا تقلق فهذا أمر بسيط يجيده الآن الشاب قبل حتى أن يبلغ من العمر 20 أو 22 سنة.

يمكنك كذلك أن تبحث عن بعض الأعمال الفنية الهادفة الرائعة المؤثرة إيجابيا في المجتمع، والتي شارك فيها شباب في نفس السن، وربما أصغر سنا.. ألا تتفق معي أن الفن خدمة للوطن؟

حسنا.. أرشح لك على سبيل المثال مسلسلا رائعا يدور حول أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة مكونة من أب وأم وأربعة أبناء.. ثلاثة منهم في مرحلة المراهقة، وفي كل حلقة يتم تناول إحدى قيم المجتمع من خلال مواقف تتعرض لها الأسرة التي يسعى ربها لأن يعلم أبناءه تحمل المسئولية منذ سن مبكرة، وهو لا يعاملهم كأطفال، بل يتفاعل بإيجابية واحترام مع أفكارهم وآرائهم، ويستمع إليهم ويناقشهم ويتقبل الاختلاف معهم.. هذا المسلسل اسمه \”عائلة ونيس\”.. إحم.. عفوا.. يبدو أنني بالغت في الفصل بين محمد صبحي الفنان، ومحمد صبحي الإنسان حتى ارتكبت خطئا سخيفا، بأن أنصحك بمشاهدة أعمالك.. اعتذر منك بشدة.

طيب.. أستاذ صبحي.. سأبسط لك الأمر.. دعنا نغير صيغة السؤال، كيف؟ سنفكر بنفس الأسلوب التربوي التقليدي، أيهما يسبق الآخر، تأثير الأم على ابنها الصغير أم تأثير الابن على أمه؟ لو اتفقنا أن تأثير الأم على ابنها هو الأسبق، ألا يعني هذا أن عليها أولا أن تحسن تربيته وتنشئته لينضج ويكبر ويصبح – أو تصبح لو كانت أنثى- أبا عظيما وأما فاضلة؟

في ضوء هذه المعلومة.. دعنا نعكس السؤال: ما الذي يتلقاه شاب عمره 20 أو 22 سنة من مصر حتى يرضى عنها؟

وآه بالمناسبة.. على حد علمي فأنت من مواليد 1948، بارك الله في عمرك، هذا يعني أنك في سن 20 سنة، كنت تعيش أحداث نكسة يونيو 67، فهل كنت آنذاك راضيا عن وطنك؟ الحقيقة أن معظم الشخصيات الوطنية التي يمكن أن أصفها بأنها \”عندها دم\”، لم تكن راضية بالمرة، وحاشا ألا أحسبك منهم، فمن المؤكد أنك إذن كنت زعلان.. ما مشكلتك مع الزعلانين إذن؟ أرجو الإيضاح، إذ أن لابد أن وراء سخطك وحدتك في مهاجمتهم أمورا حكيمة عظيمة مما تجود به علينا يوميا.

بالمناسبة، فإن ثمة مشكلة بسيطة أصلا في قولك \”زعلانين من مصر\”، الزعل يا سيدي الفاضل من النظام.. الشباب زعلانين من النظام.. وأرجو ألا يكون لدينا خلاف فكري في الفصل أو الخلط بين النظام والوطن، وإلا فسيصل نقاشنا لنقطة حرجة.

سيدي الفاضل، دعني اطلب منك أن تخبرنا عما كنت تقدم لمصر وأنت سنك 20 و22 سنة، عل الشباب الجاحد يتعظ بسيرتكم العطرة.. ألا ترى معي أن في هذا إفحاما للشباب الرقيع الذي يزعل من بلده بسبب بعض التفاهات كاعتقال أصدقائه أو قتل بعضهم وبراءات قاتليهم، إلى آخر هذه السفاسف؟! قلها وافحمهم يا سيدي.. فلابد أن وراء ثقتك الشديدة في انتقادك لهم تاريخا من العطاء للوطن وأنت في نفس عمرهم.

قلها ولقننا الدرس النظري، أما نحن.. فقد تلقينا خلال السنوات الأربع الماضية الدرس العملي، فصرنا نفرق بين الممثل وهو أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح أو وهو بعيدا عنهما.. ثق أننا وعينا الدرس جيدا.

انتهى حديثي يا سيدي.. أو لنقل.. انتهى الدرس يا صبحي!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top