صفاء الليثي تكتب: "تمبكتو".. "العداء" و"لومومبا".. أفلام أفريقية بين المحلية والعالمية

\”تمبكتو\” الذي يحمل رسميا اسم موريتانيا البلد العربي الإفريقي، ينطبق عليه وصف السهل الممتنع..مخرجه عبد الرحمن سيساكو، صاحب الثقافة الفرنسية مع هوية إسلامية إفريقية.

كثير مما نشاهده في الفيلم معلوم لدينا من شرائط الأخبار عما تفعله القاعدة في مالي.. صور سيساكو فيلم \”تمبكتو\” في صحراء موريتانيا موطنه الأصلي، وأغلب من استعان بهم في الفيلم من هناك.. منهم المخرج والممثل سالم دندو، الذي قام بدور أحد حكام مالي الجدد الذين يطبقون ما يعتقدون أنه \”الشريعة الإسلامية\”.. يظهرهم الفيلم كعصابة مسلحة بعضهم من تومبكتو وبعضهم إرهابيين عرب، يحكمون العاصمة، فنسمع ميكرفونات تعلن أن الغناء ممنوع، وتطالب السكان بالتزام الحجاب والقفاز.. يطوفون لتطبيق أحكامهم وهم راكبين سيارات أو موتوسيكلات.

في أحد المشاهد نشاهد سيدة تبيع السمك وترفض ارتداء القفاز، وتجده أمرا سخيفا، فكيف ستمسك بالأسماك الزفرة وتمارس عملها بالقفاز.. تشير لهم بيدها.. هذه ذراعاي.. اقطعوا يدي ولن أرتدي القفاز.

بعض ممن شاهدوا الفيلم في افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، شعروا بأن الفيلم بهذا المشهد هو \”فيلم تسجيلي\”، وهو وصف يطلقه البعض على الأفلام التي لا تعجبهم – غالبا – هم صحفيون وصناع دراما تعودوا على السينما السائدة بمشاهد تمثيلية زاعقة وميلودراما ومشاهد حركة، بينما يقدم سيساكو بانوراما لأكثر من قضية تفضح هيافة هذا الحكم \”الإسلامي\”.

بهدوء نشاهد القاضي يحقق مع شاب: ألا تعرف أن الكرة حرام؟!

الكرة حرام! ما أسخف تحريمهم، وما أبعده عن المنطق.. أفكر بينما أشاهد الفيلم في أحدث الموبيلات في أيديهم، وفي أسلحة الغرب المتطورة يحملونها، وفي السيارات التي يقودها لهم أعرابي.. أليس كل هذا حراما؟! فقط الكرة وعدم ارتداء القفاز وعدم ارتداء الحجاب هي المحرمات؟!

أجدني أحدث نفسي بكلمة أمي المأثورة: \”حُرمت عليهم عيشتهم\”.. وكهدية من المخرج نستمتع بمشهد لشباب بملابس رياضية يلعبون بدون كرة، ويؤدون كل حركات اللعبة، فقط مع موسيقي ومشهد بديع يعبر فيه حمار في وسط اللاعبين، بينما يدور مراقبين للنظام على دراجة بخارية – ليست حراما- كي يضبطوا الكرة الحرام غير الموجودة.

مشهد ثائر يغير تتابع الواقع الأليم المعروض أمامنا، أبدع في تنفيذه سيساكو ووضحت رؤيته عن الفارق بين جمال الأنشطة الإنسانية، وقبح منطق المتطرفين.

يعود سيساكو لاستخدام الحمار يسير في مقدمة المراقبين، وهم يبحثون في الليل عن منزل تنبعث منه الموسيقى.. واقعيا الحمار يعرف الطرق ويستخدم في المناطق الريفية كما يقول الفلاح المصري: \”الحمار عارف سكته\”، لكن المخرج يستخدمه ليدل على معنى أنهم مجموعة من المتخلفين يقودهم حمار.

التأثير الفرنسي واضح في إيقاع المخرج الذي يفرضه على الجميع، فيبتعد أداء الممثلين عن أداء \”كفار قريش\”، الذي اعتدنا على مشاهدته في مسلسلات \”دينية\” في التلفزيونات العربية. تأثير فرنسا واضح أيضا في رسم الشخصيات بحيث تبدو لنا بشر لديهم جوانب إنسانية طبيعية متنوعة، فمنهم من نصدق أنه يصدق ما يقوله معتقدا بأنه يطبق شرع الله، وآخر كاذب يتخذ من الإسلام حجة لكي يصبح زعيما ويستولي على خيرات البلاد، وهو الشخص المهووس بالجنس والمرأة، فيطلب منها أن تغطي شعرها – وكانت تغسله بمساعدة ابنتها- فترد عليه: ولم لا تشيح أنت بوجههك.. لا تنظر إليّ؟؟ لي رجل مسئول عني، وهو الذي يطلب مني ما يريده فأطيعه. هذه المرأة وزوجها المحب، نموذج جميل لأسرة متحابة.. يعزف الرجل وتدندن المرأة معه.. تقدم له الشاي، وتلعب ابنتهما مع راعي الأبقار.

طبيعة البلاد الصحراوية ظاهرة في الفيلم، فهذه الأسرة تعيش في خيمة منعزلة عن حواري البلدة التي يعيش فيها آخرون، وكأنه أراد بهذه العزلة أن يركز على نموذج مختلف لا يعيش منصاعا لحكم هؤلاء الإرهابيين.

لم يوافق إيقاع الفيلم غالبية الحضور، وكان فيلم \”رن/ العداء\” من ساحل العاج / كوت ديفوار الأقرب لمزاج من تعود على عرض الأزمنة القوية في حياة الأفراد، وإغفال الأزمنة التي تعكس إيقاع الحياة اليومية كما نجدها في الأفلام الفرنسية وفي أفلام سينما المؤلف المبتعدة – عادة – عن سخونة السينما السائدة الأمريكية أو المصرية.

في مسابقة االروائي الطويل بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الرابعة، شارك فيلم \”العداء\”، وقد شارك – قبلا- في مسابقة \”نظرة ما\” بمهرجان كان الأخير.

يروي الفيلم قصة انتقام شاب إفريقي من رئيس وزراء بعد التحرير، استغل الحس الوطني لدى شباب البلد، للسيطرة عليهم ومعاملتهم كالعبيد.

مثل هذه الأفكار تجد دعما من دوائر غربية تعمل على تشوية صورة الثوار ومن قاوموا المستعمر الغربي، وإلقاء اللوم عليهم فيما تعانيه أفريقيا من مجاعات وانقسام، وهي نفس وجهة النظر في فيلم \”لومومبا \”.

شاهدته بمهرجان الأقصر خارج المسابقة.. الفيلم من إنتاج فرنسا، ورغم تقنياته العالية، إلا أنه يقدم وجهة نظر فرنسية استعمارية، أظهرت أن الانشقاق الداخلي بين الإثيوبيين هو السبب في انهيار حلمهم الديمقراطى، وأغفلت دور مصر وجمال عبد الناصر والسيد محمد فائق في مساندة أسرة لومومبا، حيث نجحت جهودهم في إنقاذ زوجته وطفلته واحتضانهما بالقاهرة بعد الانقلاب على لومومبا المدعوم من أمريكا، باستغلال طموح جنيرال منافس للثائر الكبير بياتريس لومومبا.

انضم المثقف المصري وخبير الشئون الإفريقة حلمي شعرواي في نقاش حماسي، وشرح وجهة نظره، موضحا تزييف الفيلم للحقائق التاريخية، واستمع إليه باحترام عدد كبيرممن حضروا العرض من المصريين والضيوف الأفارقة.

تعددت الأساليب الفنية في الأفلام التي تتناول الشأن الإفريقي، وتختلف بين كونها تعبر عن وجهة نظر وطنية لصانعها المحلى، وبين الأفلام التي تصور حكايات وأحداث أفريقية منتجة عالميا أو تشارك في إنتاجها عدة دول، فتتغير توجهاتها وأساليبها الفنية حسب جهات تمويلها. وهو ما يتضح جليا بين \”تمبكتو\” بوجهة نظرمخرجه الموريتاني مستفيدا من لغة السينما الفرنسية، وبين فيلم \”العداء\” بإنتاجه الضخم وأسلوبه القريب من السينما الأمريكية، وفيلم \”لومومبا\” حيث تم صياغة التاريخ ليخدم وجهة نظر أسيادنا المستعمرين البيض الذي يتهموننا بأننا وحدنا سبب كل مشاكلنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top