أخي المواطن أختي المواطنة، لقد آليت على نفسي ألا أخاف في الحق لومة لائم، وأن أراجع نفسي إذا ما تبين لي أنني كنت مخطئة في موقف ما، وألا تأخذني العزة بالإثم، وأظن أن من تابعني لفترة، علم مني أنني أتراجع عن موقف ما، إذا ما علمت في غيره الحق.
وها أنا ذا أتراجع عن موقفي الذي كان مناهضا للحرب على اليمن ومشاركة مصر فيها.
كان اعتراضي على مشاركة مصر في حرب اليمن، ينبع من كوني أرى أن أي تدخل عسكري في دولة أخرى لم تؤذنا في شيء هو عدوان يشبه عدوان أي دولة إمبريالية على دولة أخرى ضعيفة لتحقيق مصالحها. إضافة إلى ذلك، فإنني كنت أرى أنه حتى الدول الإمبريالية تغزو البلاد الأخرى وتعتدي عليها لتحقيق مصالحها هي، لا لتحقيق مصالح غيرها، وكنت أظن أننا نشارك في الحرب على اليمن لأننا نحقق أهداف دول أخرى في مقابل المال المدفوع لنا، وهو ما لا يليق بالجيش المصري العريق وتاريخه المشرف، كما أنني كنت أرى أن الجيش المصري هو جيش قوامه الرئيسي من المواطنين المجندين، أي أن مكونه الرئيسي هو الشعب، ومن ثم وجب على القائم بالأمر استشارة الشعب الذي يجود بفلذات أكباده لبناء جسم الجيش الرئيسي، وهو ما لم يقم به الرئيس السيسي في غياب البرلمان.
وكنت أرى أن لدينا جبهة مفتوحة في سيناء، وعدوا تاريخيا على حدودنا، ولا يجدر بنا أن نفتح جبهة أخرى لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وكنت أرى أن قتل أطفال اليمن لا ينفع مصر في شيء، فرصيد مصر الآن، وبعد غيابها التاريخي من الصناعة والريادة، لم يعد سوى الحب في قلوب العرب، وها نحن نخسره بقتل مدنيين في دولة شقيقة، وكنت أرى أن الدخول في حرب أهلية لتشجيع طرف على طرف، هو عمل غير أخلاقي، وكنت أضع نفسي مكان المواطن اليمني: ماذا لو قررت تركيا ضرب مصر لإعادة مرسي إلى الحكم؟ هل كنت سأقبل؟ وكيف كنت سأنظر لذلك الرئيس الذي استدعى قوات أجنبية شرها للحكم؟ وكنت أرى أن الترويج لما يسمى بالتصدي للخطر الإيراني هو محض هراء، إذ أننا لم نلحق أي ضرر بإيران، فإيران تحقق أهدافها هدفا وراء هدف بصبر وتؤدة وكد، وبدون أن تضحي بأبنائها في حرب عبثية، بينما نحن نوسع اليمنيين قتلا، ونلقي بأبنائنا في آتون حرب لم تهتم إيران بالالتفات إليها سوى بتصريح هزيل تطالب فيه كل الأطراف بالهدوء والصلاة ع اللي حيشفع فينا.
لكنني، وبالرغم مما سردت، اكتشفت أنني كنت مخطئة، وأنني افتقر إلى بعد النظر، وعمق الفكر.
اكتشفت هذا الاكتشاف بعد أن استمعت مرات ومرات إلى خطبة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد فهمت أشياء لم أكن أفهمها من قبل، وهاكم ما فهمته:
لماذا نشارك في عاصفة الحزم؟
نحن نشارك في عاصفة الحزم لأننا يجب علينا أن نشارك في عاصفة الحزم، ولماذا يجب علينا أن نشارك في عاصفة الحزم؟ لأن هذا هو واجبنا، أن نشارك في عاصفة الحزم، وما هو واجبنا في المشاركة في عاصفة الحزم؟ واجبنا هو أن نشارك في عاصفة الحزم.
لماذا؟
هناك أسباب عديدة تدفعنا دفعا للمشاركة في عاصفة الحزم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
السبب الأول: أننا يجب أن نشارك في عاصفة الحزم.
السبب الثاني: باب المندب.. ستقول لي: أنت يا نصابة مش قلت إن هناك أساطيل أمريكية، وفرنسية، وإسرائيلية، وتركية تقوم بحماية باب المندب؟ وإن قناة السويس أمن عالمي وليست أمن مصري فقط؟ وإن مصر قد تكون أقل المتضررين من غلق قناة السويس، إذ أن غلقها يعني انهيارا في التجارة العالمية؟
نعم، قلت ذلك، ومازلت أقوله، ولا يسعني أن أنكر حقيقة واقعة: هناك بالفعل أساطيل أمريكية وفرنسية وإسرائيلية وتركية تقوم بحماية باب المندب، وبالفعل إيران لا تستطيع أن تتبول في المحيط، ناهيك عن إمكانية غلق المضيق، لكن.. كل هذه الدول تقف على باب المندب لخدمة مصلحتها، أما نحن فنقف على باب المندب لخدمة مصلحتنا.
ما هي مصالح الدول الأخرى التي تقف على باب المندب؟ مصلحتها بالأساس هي تأمين قناة السويس وعدم السماح لأحد بالتمكن من غلقها.
وما هي مصلحتنا في الوقوف على باب المندب؟ مصلحتنا هي تأمين قناة السويس وعدم السماح لأحد بالتمكن من غلقها. لكن.. لما تيجي منهم غير لما تيجي منا. هناك احتمالية أن تقوم الدول الأخرى بتغيير كالون باب المندب، وطبعا مش حيدونا نسخة من المفتاح، ولو اتكلمنا، حيقولوا لنا أنتوا ما كنتوش موجودين ولا حاسبتوا النجار معانا، وهذا يعني أننا كلما أردنا الدخول من باب المندب سنضطر إلى دق الجرس، وممكن تكون الدول دي نايمة، أو بتصلي، أو في الحمام، ونتلطع إحنا على الباب.. افهم.. افهم الكلام.
السبب الثالث: أننا ذهبنا إلى ليبيا.
وطبعا اليمن جالها خبر إننا ذهبنا إلى ليبيا، ولو عرفت إننا مش عايزين نجيلها، حتاخد على خاطرها، وممكن تحصل مشكلة، وتقول لك بقى هم مش عايزين ييجوا عندي ليه؟ ده لما بيجولي باشيلهم في عينيا، وحتى ما بيشيلوش طبقهم، ما بيجيبوش لنفسهم كوباية مية، هم مستعريين مني؟ ولا أنا مش قد المقام؟ وأنت عارف بقى النسوان ومخها، وياريتها حتسكت على كده، طبعا حتكلم حماتك السعودية، وخالك الإمارات، ويجولك البيت، ويعملوا لك قلبان، وعلى إيه ده كله؟ مشاكل نحن في غنى عنها، ما تساويش تمن التاكسي اللي رايحين به اليمن.
السبب الرابع: هو أن الرئيس في ذات مرة من المرات قال للدول العربية: مسافة السكة.. عايزين تطلعوا الرئيس كداب؟ ده رئيسنا المنتخب، مالوش كلمة على بيته ولا إيه؟ أدام عزم الناس لازم ما نكسفهوش، هو صحيح عازمهم على عيالنا مش على الغدا، بس هم يغلوا على الضيف؟ عيب.. وده راجل ملو هدومه، وما يصحش نصغره.
إحنا حنتخلى ولا إيه؟
ثم إنه من العيب أن تقول بأننا سنذهب لأن الدول التي لها مصلحة في الحرب قد دفعت لنا مالا.. عيب.. هم صحيح دفعوا، بس ما يصحش تقول الكلام ده، قدر يعني ما دفعوش، ما كناش روحنا؟ آه ما كناش روحنا، بس برضه ما يصحش تقول كده، ده كفاية ساعة 30 يونيو بقوا يبعتوا لنا مراكب النفط والمحمر والمشمر لما خلونا مش عايزين حاجة. بالطبع هناك بعض الناس التي تقوم بالإيقاع بين الأشقاء، مثل جل الحسابات الإلكترونية السعودية على التويتر والفيس بوك والتي عادة ما تكتب: وليش يا مصريين ما تبغون تروحون بري؟ ما دفعنا لكم؟ بس حتى لو غلطوا أنت ما تغلطش.
لكل هذه الأسباب التي استمعت إليها في خطاب الرئيس، ولغضبته، وتكشيرته، فقد قررت أن أنصاع إلى ما كتبه الله علينا، وألا أعترض البتة على مشاركتنا في عاصفة الحزم… أصلي لو اعترضت حاشرب م البحر يعني.