العزيز آدم:
لا استطيع أن أصف المشاعر التي ملأت كياني بعد لقائنا الأول على هذه الأرض الغريبة، فأنا ضائعة لا أعرف تماما من أنا؟ وماذا أريد؟
أنام وأصحو كأننى أسيرة لحياة لا أعرفها.. حياة غريبة عني، يديرها و(يريدها) الآخرون.
هذه الحياة أصبحت عبئا ثقيلا أريد أن أتحرر منه، لا أريد أن أستمر دمية تتحرك وراء نافذة زجاجية ترى الأشياء بحاسة واحدة.. مجرد صور بعيدة لا تلمسها ولا تتذوقها ولا تسمعها ولا تشمها.
أريد طزاجة الحياة وعفويتها، هذا ماشعرت به بعد جلستى الأخيرة معك.
عزيزي آدم، أهلا بك فى الألفية الثالثة من عمر حواء.
(بدون توقيع)
(بدون تاريخ)
حبيبتي حواء
ماذا تقولين؟
ما هذه الكتابة؟
أين كنت؟ ومن أين جئت؟
هل حقا كنت بداخلي؟
اعجبني تعبير \”الألفية الثالثة من عمر حواء\”، لكن هل حقا عشت ألفي عام من قبل؟
أنا أصدق ذلك، لكن وجهك ينكر طول الزمان، فهل في الأمر حيلة؟
شعرت أنك مثلي ابنة الاسطورة!
شعرت بتلك القشعريرة الغامضة التي تتجاوز الواقع (أي واقع).. شعرت بها وأنا اقرأ كلماتك، كأنها تعويذة سحرية، أو كلمة سر لمدونتي السرية.
أرجو ألا أكون خرافيا أكثر مما تحتملين، فقد تعلمت جيدا أن أخفي هويتي الأسطورية خلف أقنعة عصرية، لكنني لا أعرف كيف تتعاملين أنت مع العالمين (عالمك الخاص، وعالم الناس).
لم نصل بعد إلى الزمن الذي صرخ فيه سارتر (الجحيم هو الآخرون)، فليس بيننا \”آخرون\” بعد.
تصالحت مع واقعة خروجي من الجنة، لأنني اكتسبت حرية أكبر، ولأنني اقتربت منك أكثر، أحب ما نحن فيه واشتاق إلى ما فقدته، يعجبني العالم الخارجي بشرط ألا يطغى على عالمي الداخلي.
هذه الإزدواجية التي تجمع بين الحيرة والكمال يسميها بعض القاصرين \”فصام\”، واسميها \”بوليفينية إنسانية\”.
أخاف يا حواء من كسر ذلك اللوح الزجاجي الذي احتجزونا خلفه طويلا، فأنا لم أكن عبدا لتلك \”الحياة المعلبة\” التي عشتها قبلك.
ربما كان التهام التفاحة جرأة، وربما كانت حماقة، وربما كانت مصادفة قدرية عمياء، لكنها كانت لحظة نشوة عاتية أوصلتني إلى الضفة الأخرى من العالم، وأخشى يا حواء، أن تكون الآلهة قد لعبت لعبتها معي، وجعلتني اتأمل \”نفس الحياة\” عبر \”نفس اللوح الزجاجي\”، لكن من الجهة الأخرى.
ليس لدي يقين كاف بثنائية \”صح وغلط\”، ثنائيتي هي \”أحب أو لا أحب\”، وعلى طريقة صديقتي ليلى مراد، اعترف أن \”قلبي دليلي\”، وبلا إدعاءات أيدلوجية عميقة، اشعر أننا سنعبر متاهة أوديسيوس سواء نظرنا خلفنا أم لا، سنحقق بعضا من الأحلام العصية، ليس أهمها هو فراء الدب الأبيض الذي سكن أحلامك منذ شتاء بعيد، لكن مطاردتي لذلك الدب مجرد إجابة على سؤالك المكرر: هل نستطيع؟
حبيبتي حواء، yes we can .. نحن قادرون وقادرون وقادرون.
حبيبك آدم
(تاريخ مفتوح)