باسم إبراهيم يكتب: الغربة واللي عايشنها

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ
إِنْ سَال طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ

والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست
والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة
لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ

و البدر لولا أفول منه ما نظرت
إليه في كل حين عين مرتقب

 

لم يكن يعلم الإمام الشافعى حين كتب تلك الأبيات أنها ستكون سببا قويا من الأسباب التي جعلتني اتخذ قرارا بسفري!

فما بين مطرقة حياتي الشخصية وأحلامها، وسندان حياتي العامة وأحلامها، كان يقبع تفكيري.

قد لا اكون مبالغا عندما اقول أن تسعين بالمائة من شباب 1980 وما فوق يتصارع تفكيرهم في نفس النقطة.

هنا في الخليج نجد الغالبية العظمى ممن استطاع السفر ومن هنا اكتب.

من سافر إلى الخليج هم، أقل المغتربين حظا، فهنا يتآكل العمر بكل ما تعنيه الكلمة من معان، وتخلو الذكريات من أي معنى حقيقى للحياة، فالحياة هنا أشبه بجوها الحار الجاف.. قد تستمتع أحيانا في دبي أو البحرين، لكنه استمتاع صاخب بلا روح.. الحياة الثقافية غير موجودة تقريبا.. روح القاهرة أكثر ما تفتقده.

أكاد اجزم أن قعدة قهوة بلدي في أرياف القاهرة أو ضواحيها تمتلئ بالحياة أكثر من زيارة برج خليفة.

تراودني دائما تلك الأسئلة.. كيف تحول في 60 عاما العقاب من النفي خارج البلاد إلى المنع من السفر؟!

أين هؤلاء الجريك والإيطاليون والجنسيات الأخرى التي كنا نسمع ونرى في أفلامنا القديمة أنهم كانوا يعملون في مصر؟!

لماذا ونحن نشرف هنا كمهندسون على إنشاء وتشغيل معظم محطات الكهرباء والتي تعمل بكفاءة عالية، نرى انقطاعها في مصر؟!

ما كمية هذا الفساد في مصر والذي اصبح للأسف أسلوبا للحياة؟!

هل كان فاروق فعلا مجرما ويتوجب عزله؟! لا اعلم!

الحقيقة أنه تم فعلا طردنا، ولكنه طرد ناعم مبرر بالبحث عن رزق.

للأسف.. تم طردي وقبلت بمطلق حريتي، وأكثر ما يرعبني أن تستمر حياتي هكذا!

متى سأعود؟ وكيف احمل حتى الآن كل هذا العشق لمصر؟

إذا مت في مظاهرة.. هل ساكون فارقا أم مجرد حصولي على لقب شهيد – إن كنت محظوظا- هو أقصى ما يمكن انجازه؟

أيها الحاكمون في ملك مصر.. هنا وفي مكان اسمه الغربة، يرقد أفضل شباب مصر، ونحن نلتمس منكم عفوا للرجوع.. فما نحن بأفضل من المسجونين ولا بأقل منهم إذ تعفون أحيانا عنهم.

وقد ورد إلينا أن ربط كلمة حياة بالكريمة قد أزعجكم، فنحن نريد فقط الحياة، وقد ورد إلينا أن ربط كلمة عدالة باجتماعية قد أزعجكم، فنحن نريد فقط العدالة ونقترح عليكم فصل مجتمعكم الوقوور، عن مجتمعنا البربري.

ونحن في الغربة إذ نطالبكم بإطلاق سراحنا لنعود لمصر، نعترف أن الإمام الشافعي كان مخطئا عندما كتب تلك الأبيات وأطلقها على عمومها، فلم يعلم وقتها كيف هي مصر في قلوب المصريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top