د. ألفت علام تكتب: الصدمة النفسية الناتجة عن الاغتصاب والعنف.. تعريف – أعراض – تجاوب

من بين أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا في بلدنا والبلدان المجاورة منذ ثورات الربيع العربيي حتى الآن، هي (اضطرابات ما بعد الصدمة)، فأحداث العنف والدمار والحروب التي يعيشها الفرد, ومعايشة الفرد لهذه الأحداث في حياته اليومية، وهي أحداث خارجة عن الفرد، أو صعوبات ومشاكل تسبب له تهديدا لحياته, أو تشعره بعدم القدرة على الدفاع عن نفسه أو الآخرين, فتسبب توترا يفشل في السيطرة عليه، وينجم عنه اضطرابات نفسية متعددة.

وهذه الأحداث قد تحدث بشكل فجائي، تعرف بالحدث الصدمي.

الحدث الصدمى:

موقف أو حدث مفاجيء خارج عن المألوف، يتعرض له الشخص ويعود عليه بالأذى النفسي والجسدي، تعجز معه قدرات الشخص النفسية والمادية على مواجهة الحدث، وتسبب له توترا أو تشكل له تهديدا يفشل في السيطرة عليه، وينجم عن ذلك اضطرابات نفسية عديدة والاضطرابات النفسية التي تظهر بعد الصدمة تكون حادة والتعافي منها يحتاج إلى مزيد من الوقت أكثر، إذا كان سبب الحدث الصادم هو الإنسان (كالأغتصاب أو التعذيب) مقارنة بالكوارث الطبيعية (كالزلزال، الأعصار).

الأغتصاب بالمعني النفسي يتضمن عنفا جسديا ورغبة في السيطرة على جسد الأنثى والعدوان عليها أكثر من رغبة أو متعة جنسية.

ويشكل الاغتصاب صدمة نفسية للأنثى لأنه يفقدها الثقة ويجعلها تشعر بالخوف الدائم والقلق، ويضرب الأنثى في إحساسها بأنوثتها ويشعرها بالإهانة والخزي والشعور بالذنب ولوم نفسها من كونها أنثى وأحيانا تسيطر عليها أفكار بأنها المتسببة في حدوث ما حدث، والكثير من الإناث ممن عايشوا هذه الخبرة القاسية التي زلزلت كيانها النفسي، وواجهت الموت وانتهكت كرامتها، وتعرضت البعض منهن إلى تشوهات جسدية مثل علامات دائمة في الجسد أو حدوث تشوهات للأعضاء التناسلية, قد تصل إلى استئصال الرحم، بأن يرفضن أجسادهن ووجودهن في الحياة، ويحدثون عدوانا على أجسادهن، وقد يصل هذا العدوان إلى إيذاء أنفسهن، إما بمحاولات الانتحار أو الاعتماد على العقاقير المهدئة أو البدء في تعاطي المخدرات، ويرجع ذلك إلى أن هؤلاء الإناث يملأهن الشعور بالعجز وقلة الحيلة في الحصول على حقهن من المعتدي, حيث يقف المجتمع – وأحيانا كثيرة الأسرة والتي يجب أن تكون مصدر دعم ومساندة للمغتصبة – في صف المعتدي، ويبحثون له عن تبريرات لهذا الفعل الآثم.

وإذا نظرنا إلى مجتمعاتنا، نرى أن الموروث الثقافي، \”والذي يعتبر تأثيره أقوى بكثير من القانون\”، وبنية المجتمع لا يشكلان عاملين داعمين للأنثى المغتصبة، بل يزيدان من صعوبة الوضع، ويزيدان من شدة الصدمة، وبالتالي يزيدان من تفاقم الاضطرابات وتحولها إلى أمراض مزمنة.. الاكتئاب مصحوباً بأعراض قلق ووسواس (خاصة وساوس النظافة والطهارة).

وقد تظهر أعراض الاضطراب عقب الصدمة مباشرة أو بعد عدة أشهر، وكلما ظهرت الأعراض بشكل مبكر عقب الصدمة، كلما استطعت الحد من تطوره في اتجاه أخطر.

ومن أكثر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة شيوعاً:

في الليل كوابيس مزعجة متكررة تتعلق بموضوع الصدمة.

قد تعيد الأنثى إنتاج الصدمة في رأسها وتعيشها كأنها تحدث أمامها.

عدم القدرة على الحديث عن الخبرة الصادمة.

تجنب الأماكن والأشخاص والصور والملابس المتلعقة بالحدث الصادم.

نسيان تفاصيل مهمة في الخبرة الصادمة.. قد تنسي فتاة تعرضت للإغتصاب وجه المغتصب أو اسمه، حتى وإن كانت تعرفه جيداً، ويمثل هذا النسيان رغبة لا شعورية تلجأ لها الفتاة لحماية نفسها من مشاعر الألم عند تذكر المجرم.

اضطراب النوم والغذاء وصعوبة في التركيز.

سهولة الاستثارة، بمعنى أن تصبح الأنثى يقظة وحذرة وتشعر بالقلق والخوف والغضب عند سماعها أدني صوت.

ولأن المغتصبة تمر بكل هذا الإنهاك النفسي واستنزاف الطاقة، من هنا تأتي أهمية تقديم برامج المساندة والدعم النفسي إلى الناجيات حتى يستطعن أن يستعدن أنفاسهن من جديد.

التجاوب مع الناجيات من الصدمات النفسية:

تحتاج الناجية إلى أسلوب مشوري موجه وهادف، ليس فقط لمساعدتها على تجاوز هذه الخبرة السلبية القاسية، ولكن يعتبر جزء مهم من تعافيها هو جعلها عضو فعال في التجاوب مع القضية، فهي تحتاج إلى قبول غير مشروط وتفهم لمشاعرها دون حكم أو تعليق.

 المراحل التي تمر بها الناجية:

مرحلة ما قبل التفكير: (الإنكار)

وتعرف بمرحلة الذهول والأفكار، حيث لا تدرك الناجية بطريقة لاوعية حجم المشكلة، حيث تحاول الناجية في هذه المرحلة التعامل مع الحدث كأنه لم يحدث، أو أنها سوف تستطيع أن تتخطاه أو تنساه.

وتحتاج في هذه المرحلة إلى التحمل والتفهم والتقدير والاحترام، حيث يغلب عليها مشاعر النقمة والخوف.

مرحلة التفكير: (الانفعال)

وهي تلي مرحلة الإنكار، حيث تنهك الناجية من محاولة تجنب التفاعل مع الحدث، وتظهر مشاعر الارتباك والازدواجية بين رغبة الناجية في المشاركة بما تشعر أو الانسحاب والعزلة.

وتحتاج إلى الدعم والمتابعة دون ضغط أو توجيه اسئلة، بل تترك لها مساحة من الحرية لتقول ما تريده الآن وتؤجل ما تريد، أن تؤجله لوقت آخر، فالأهم هنا هو الإنصات لما تقوله بتمعن واهتمام، وتكون الأسئلة مفتوحة، لكي تساعدها على التعبير عن مشاعر وشرحها.

وفي هذه المرحلة قد تعبر الناجية عن انفعالها الشديد بالصراخ أو الغضب والهياج والبكاء والرفض لما حدث.

المساومة

تتسم هذه المرحلة بمحاولة الناجية التغلب والسيطرة على القلق واستعادة قدراتها السابقة في محاولة للوصول لحل وسط، وتحتاج في هذه المرحلة المتأرجحة للمواجهة الناعمة بواقع الناجية غير المريح، وتحقيق التمييز بتوضيح الوضع الحالي والهدف الأوسع في الوصول إلى التوازن النفسي.

ولهذا يجب تجنب المناقشات والمواجهات الجدلية والعقلية، والبعد عن الأكليشيهات مثل \”إلى متي سوف تبقى هكذا\”،

ولهذا يفضل استخدام مفردات الناجية وإعادة صياغتها في جمل أكثر وضوحا، وتعمل على تحفيز الناجية في إيجاد حلول للأزمة، في محالة للدوران حول مقاومة الناجية في مواجهة الحدث الصادم.

التقبل:

تتقبل الناجية حدوث الأمر الذي اعتبرته فاجعه وتدرك أنه لا مفر من مواجهة الموقف، وفي هذه المرحلة يتطلب تقديم دعم للكفاءة الذاتية للناجية، ودفع الناجية إلى الإيمان بنفسها وقدرتها وتحفيزها على استعادة توازنها النفسي مرة أخرى.

التكيف:

آخر مرحلة من مراحل الشعور بالحدث الصادم، وهنا تبدأ الناجية في البحث عن سبل إيجاد حياتها الطبيعية التي كانت قبل الحدث الصدمي، وتحاول إيجاد التوازن النفسي والمادى.

وتحتاج الناجية في هذه المرحلة الدعم ورسم خطط مستقبلية متفائلة، وعمل بنائي مستمر بشأن النضج النفسي .

بعض الذين يفشلون في الانتقال من مرحلة لأخرى, والوصول إلى المرحلة الأخيرة، أو قد يثبتون على مرحلة ولا يستطعيون تخطيها، قد يعانون من ظهور اضطراب ما بعد الصدمة مثل الاكتئاب أو القلق المزمن أو غيره, وتبدأ رحلة الذهاب إلى عيادات العلاج النفسي لتلقي العون والعلاج.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top