أحمد فؤاد يكتب: أُم عروس النيل

إلقاء عذراء جميلة في النيل كنوع من القرابين أو الرشوة.. من الطقوس التي شكّك في صحتها المؤرخون والباحثون، وأغلب الظن أن قدماء المصريين كانوا يلقون للنيل تمثالا خشبيا أو نوع من أنواع السمك الضخم وليست فتاة حيّة.

في عصرنا الحديث يحدُث هذا.. يُلقى المصريون بالعذراوات قبل بلوغهن سن \”العنوسة\” في \”نيلــة\” الزواج بلا رحمة.. يدفعونهُن دفعا بكل قسوة وانعدام ضمير.. لا لشيء إلا للنجاة من وحش العنوسة وأنيابه التخيُّليّة التي فاقَت رهبتها في قلوب المصريات كل أساطير الرعب، كالندّاهة والغولة وأبو رجل مسلوخة. وأخص بالذكر هنا أمهاتنا، اللائي يبدأن حربهن الضروس على بناتهن فور تخطيهن العشرين ربيعا.. بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى حتى القمع والحصار يستخدم أحياناً لحث البنت على الهرب من جحيم بيت أهلها إلى ما يصفونه لها بـ \”جنة الزواج\”.. هناك حيثُ يستطيعين السفر والسهر \”لما تبقي عند جوزك\”.

أمهاتنا المصريات اللائي يستعصين على الفهم أو التحليل.. اللائي اللآئي ستفشل كل محاولات مراكز الأبحاث الاجتماعية وتحليل السلوك العالمية في فك شفرة دوافعهن في كل ما يأتين من أفعالٍ تجاه بناتهن باسم الحب والحرص على مصلحة البنت!

أمهاتنا من جيل عانت أغلب زيجاته من الفراق.. جيل الخليج.. المروحة والبطانية والصابونة اللوكس.. أمهاتنا اللي عاشو عيشة الـ \”سينجل ماذر\” الأمريكانية غصبا، لأن الزوج الثمانيناتي كان سرعان ما ينطلق للحاق بالـ \”خَليجْيَان دريم\” -على غرار الحلم الأمريكي- لأسباب تصب جميعها في بلاعة أجمع ذوو السوالف الكثيفة على تسميتها \”تأمين مستقبل الأولاد\”، وغالبا ما كان هذا التأمين يأتي في صورة بناء عمارة \”بيت\”، أو شراء أراضي.. دهب.. شهادات استثمار… إلخ، فكان على أمهاتنا أن يقمن بالتربية منفردات، والقيام بدور الأبوين معاً.

لغاية هنا الموضوع لا يخرج عن كونه بطولة وكفاح وحمل تقيل قامت أمهاتنا بقبوله والوفاء به بابتسامة وحب وإنكار للذات لا يضاهيهن فيه سوى الأنبياء.. فين المشكلَة طاه؟!

المشكلة أن – سبحان الله – نفس الأم.. أنتجت لنا ذكورا وإناثا اليوم.. نفس الأم هي التي أنتجت \”رجــــــال\” اليوم!

رجال اليوم بكل إنصاف مش هنبقى بنشتم الواحد منهم لما نقول عليه \”تربية أمُّه\”.. أيوة كانت اللفظة دي زمان شتيمة ووصمة عار، تعني أنه لَم يجد أبا له ليربيه، أما في جيل الثمانينات فـ \”تربية أمُّه\” واقع وحقيقة لا ينكرها أحد.. وتربية أمهات مصر من الذكور هم عبارة عن فراخ بيضاء مربربة مُدللة زي فراخ مزارع الدواجن.. الفرخة بتفضل في الدُرج بتاعها والعلف يجيلها لغاية عندها.. نشأ \”ابن أمُّه\” لا يرى للزوج أو الأب دورا ولا وجودا داخل جدران بيته.. نشأ يرى الزوجة والأم هي الكل في الكل.. كل حاجة مسئوليتها هي.. مدارس.. مذاكرة.. أكل.. لبس.. شرب.. لعب.. حب.. نوم.. علاج.. دين.. لا دور للرجل، غير إنه يجيب فلوس!

رجالة النهاردة فيما عدا استثناءات تكاد تكون نادرة.. هم جيل الفراخ البيضاء.. قامت بتربيتهم أمهات لم ولا ولن افهم حتى اليوم سر تقديسهن للابن الذكر وتفضيله في كل شيء عن أخواته البنات إن وُجِدن.. هذا التقديس والتدليل الذي كان نتيجته أن جيلا كاملا لا يعرف أغلب شبابه للرجولة معنى، غير غلظة الصوت وكثافة شعر الصدر وذيل نبت له بين ساقيه.. أناني.. لا مسئول.. قاسي وفرعوني النزعة، لا وزن عنده ولا تقدير للمرأة خارج حدود السرير.

نفس الأم التي أنتجت لنا الفرخة البيضة الدكر ده.. هي التي تحارب بنتها بكل الأسلحة لتدفعها للزواج بأي شكل.. عشان ما يتقالش عليها عانس!

سيدتي الأم المصرية العزيزة.. المفاجأة هي إن مش حضرتك بس اللي ربّيتي فرخة بيضا بشنب \”أيوة اللي هو إبنك\”.. كل البيوت التانية فيها سيدة فاضلة زيك ربت فراخ بيضا تانيين، وعشان بنتك تنفذ رغبتك المحمومة في إنك تشوفيها عروسة، فاختياراتها محصورة في سوق فراخ مربربة كبير، لا أحد منهم سوف يقيم لبنتك وزنا خارج غرفة نومهم اللي حضرتك طبعا هتُصرّي إنها تكون بالشيء الفلاني، عشان هي كمان مش أقل من الجارية اللي زيها \”بنت خالتها\” اللي لما اتعرضت للمزاد.. قصدي للجواز.. اشتراها أبيضاني مربرب بشنب من كام شهر بأعلى سعر عشان شعرها ناعم وصدرها حجمه معقول وبيضا وملفوفة!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top