اتصلت بي إحدى القنوات الخاصة لأظهر ضيفة في برنامج صباحي وأُجيب عن السؤال المتفجر في كل البيوت: لماذا يفقد الرجل رمانسيته بعد الزواج؟ ولما حاولت أن \”أزوغ\” بحجة أنه لا يمكن قياس الجزء على الكل، وأنه يصعب إيجاد إجابة حاسمة في هذا الزمن المُلتبَس، أو أن نُحمل الرجل (المسحول) وراء لقمة العيش فوق طاقته ونقول له: \”عايزين ورد يا ابراهيم\”، قالت لي مُعدة البرنامج: يا أستاذة إحنا مش هنتكلم عن أهل الدويقة والبساتين، ده برنامج خفيف هنتكلم فيه عن الحب الحب والشوق والشوق على رأي أخوكِ اللمبي.
وبما أن البرنامج دمه خفيف وشكله ظريف، وبما أن أهل الدويقة والبساتين غير محسوبين على أهل الهوى المساكين، فعلى ما يبدو أصبح لدينا الآن بندقية؛ عُذراً، أقصد فرصة للحديث عن الغول الذي يسكن معنا في البيت واسمه الحركي الزوج، ذلك الكائن العجيب الذي لا يعجبه عجب العُجاب ويفعل أشياء حمقاء لا تنطبق عليها الكياسة، يُحدق في زوجته مراراً كأنه اكتشف فعلاً مريعاً، ثم يبتسم ساخراً و\”يبرطم\” بكلام غير مفهوم كما لو كان يرمي عليها تعويذة سحرية قبل أن يفر هارباً من جدران المنزل ليجلس بافتتان مع \”شوية ناس قاعدين ع القهوة\”.
يقول نزار قباني: \”الحب في الأرض بعض من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لاخترعناه\”، أليس من السخافة أن تُلخص المرأة حياتها وتختصرها في رجل؟ لا تتعامل مع الحياة بواقعية.. فقط تتحرك داخل هذا الحيز الضيق لعلاقة ثنائية رسمت المرأة حدودها حسب تصوراتها التي في الغالب لا تشبه العلاقة، وتظل أسيرة في هذا الخط المكسور بين الوهم والحقيقة، وعلى لغز الاختلاط هذا لا تدرك المرأة أنها مثل فرانكشتين خلقت عفريتاً في البيت، فإن هي سمعت كلام الخبراء والخبيرات ودللته يغضب إن تخلت عن هذا التدليل قليلاً واهتمت بشئون الأولاد أو المنزل ويتهمها بالمتطلبة والنكدية لو عبرت عن وجعها، وإن بالغت في تدليله (يتمرع ويشوف نفسه) ويبحث عن امرأة أخرى لأنه يرى نفسه فحلاً لا تكفيه امرأة واحدة، من الصعب أن تصدق المرأة هذا التحول ويغمرها التساؤل المر: من هذا البشع؟؛ هذا البشع هو من صنعته امرأة أخرى هي أمه التي علمته أنه سيد الأرض والتاريخ، وأن القلوب مشاع والذكورة هي حجر التوازن، وإن لم يستطع أن يذبح القطة فعليه أن يكون حاوياً مع امرأة أخرى هي حبيبة أو زوجة تلفحها الصدمة ولا تستفيق منها إلا بعد أن يطويها الفخ ولا تجد عود حطب تتشبث به حين يأتي لها رجلها مثل شجرة جميز جافة ويخبرها مثلاً أنه تزوج عليها ثلاث نساء أخريات وأن عليها أن تتقبل الأمر.
المحصلة النهائية أن هذا البشع أو هذا العفريت دبت فيه الحياة على يد امرأة تفلت منها خيوطه أحياناً، بينما هو لم يستدل أبداً على صانعته.
بينما أُتابع طفلة صغيرة تجلس على حافة الرصيف البارد في مساء شتوي، تحاول أن تلتصق أكثر بعمود النور خافت الإضاءة وهي تُمسك بكتاب مدرسي تُقلب صفحاته بحذر وتضع أمامها فرشة أكياس مناديل ورقية، وهو مشهد بالمناسبة متكرر في الكثير من شوارع القاهرة، بما يوحي بأن كل شيء نظيف وعفيف، يأتي رجل مرخي العضلات يأخذ منها حصيلة ما باعته من المناديل الورقية ويلم الفرشة ويجر الصغيرة وراءه بلا رحمة.
يسألني أحد الأصدقاء: إلى متى تستظلين بوحدتك؟، ثم يربت على كتفي في وضعية الناصح: المثل بيقول: ضل راجل.. أخشى عليك أن يأت يوم تتخلي فيه عن هدؤك هذا وأجدك منكوشة الشعر تظهرين على الشاشات التليفزيونية وتتحدثين عن حقوق \”النسوان\”.