\”إنه منذ فتح عينيه على نور الحياة، وهو يعشق الجهاد، ويطرب لصليل السيوف….\”.
العبارات السابقة التي تحتفي بصليل السيوف – الصوارم- ليست في وصف أحد \”أبطال\” القاعدة أو داعش، ولكنها ترد في قصة مقررة على طلاب الصف الأول الإعدادي في مصر، وتروي قصة عقبة بن نافع الذي خاض حروبا لـ\”فتح\” شمال أفريقيا.
وحسب جريدة الشروق المصرية (19 مارس 2015)، وافق وزيرالتربية والتعليم على – فقط – حذف عدة فصول من القصة، وليس حذفها بالكامل، من بين عدة دروس أخرى في اللغة العربية من الصف الأول الابتدائي وحتى الثانوية العامة \”بهدف تنقيح الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف والتطرف\”.
\”وإذ ذاك تطايرت الأشلاء، وتناثرت الدماء، وفزع نساء الروم\”.. فجعت عندما قرأت هذا الكلام في كتاب مدرسي في بلد يخوض معركة ضد التطرف الديني والإرهاب، وتتصاعد الدعوات إلى \”ثورة دينية\”، بينما الملايين من طلاب مصر عاما بعد عام، يقرأون هذه العبارات، بمن فيهم المصريين الأقباط الذين يراهم المتطرفون الامتداد المعاصر للروم، \”الذين تناثرت أشلاؤهم وفزعت نساؤهم\”!
القصة ألفها اثنان من موظفي وزارة التربية والتعليم هما علي الجمبلاطي وعبد المنعم قنديل، اللذان اختيرت قصتهما، دونا عن كتب توفيق الحكيم أو يحيى حقي أو نجيب محفوظ! ولأنني، وعذرا لجهلي بهاتين القمتين الأدبيتين، بحثت عن معلومات عنهما، ووجدت سيرة مختصرة لهما في معجم البابطين لشعراء العربية.
كان الجمبلاطي (1914- 1976) مستشارا للغة العربية والتربية الدينية وأستاذا بكلية التربية – جامعة الأزهر، وعضوا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو جمعية الأدباء بالقاهرة، بينما عمل قنديل (1923- 1996) مدققا لغويا بالصحافة المصرية، وتنقل بين عدة صحف ومؤسسات صحفية منها، ورأس تحرير مجلة اللواء الإسلامي حتى وفاته، وكان عضوا في اتحاد الكتاب المصريين.
تسمي الرواية جيش عقبة ابن نافع بـ\”جيش الإسلام\”، وتسترسل في تصويره في نفس الوقت كجيش من المرتزقة، يعد قائده من يقتل أحد ملوك الأعداء \”جُرجير\” بألف دينار وتزويجه من ابنة ذلك الملك.
يورد الكتاب كثيرا حديثا هو جذر الخطاب الجهادي المتطرف عن الجهاد والقتال في سبيل الله، وعن الجزية التي يسميها أحيانا \”ضريبة الدفاع\”.
يقول الكاتبان: \”ألقى في الجنود كلمة مشرقة بنور العقيدة والإيمان، حثهم فيها على قتال أعداء الله، فمن أسلم منهم نجا، ومن ظل على وثنيته فإن عليه أن يدفع ضريبة الدفاع، ليحيا حياة يأمن فيها على نفسه وأهله وماله ويمارس طقوسه الدينية بحرية واطمئنان في ظل سماحة الإسلام وعدالة المسلمين\”.
دفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو القتل \”في ظل سماحة الإسلام وعدل المسلمين\”!
اتفهم أن يحتفي المسلمون بتاريخهم، وأن يدّرس هذا التاريخ، إما بموضوعية وحيادية كجزء من مادة التاريخ، أو ربما كجزء من مادة التربية الدينية، ولكن أن تقوم المدارس \”الوطنية\” بالترويج لفكرة المتطرفين الذين يصفون أنفسهم بالمقاتلين في سبيل الله في سيناء وليبيا وغيرها، ويقتلون مواطنينا وجنودنا، فهو أمر غير مفهوم حتى ولو كان غير مقصود \”وأشك في أنه غير مقصود\”.
تدرس في كتب اللغة العربية للمسلمين والمسيحين سورا من القرآن الكريم وأحاديث نبوية، تبلغ تقريبا ربع المنهج، وتدرس بحجة أن بلاغة القرآن الكريم هي أصل اللغة العربية، لكني اعتقد أن دراسة نصوص إسلامية في المدارس \”الوطنية\” يستدعي أيضا، إما دراسة نصوص مسيحية ويهودية في نفس المناهج، أو الابتعاد في دروس اللغة العربية عن الأمور الدينية.
لا أعتقد أن المسيحيين سيفتقدون كثيرا تعلم بلاغة اللغة العربية حين يكون ثمنها دراسة نصوص تحرض على قتلهم.
اعتقد أن مناهج اللغة العربية يجب أن تشهد ثورة، يتم فيها إبعاد واضعي المناهج المحافظين عنها، واللجوء إلى متخصصين مستنيرين من أساتذة الجامعات والمثقفين لوضع رؤية لهذه المناهج تكون أكثر انفتاحا على العصر وآدابه الحديثة دون إهمال القديم، ولا تروج لأفكار متطرفة تثير خيال المراهقين ببطولة زائفة تدفعهم إلى الارتماء في أحضان الإرهاب بعد أن \”يعشقوا الجهاد، ويطربوا لصليل السيوف\” كما جاء في قصة \”عقبة بن نافع\”.