داليا الحمامصي تكتب: يا كسوفي يا كسوفي

صرخت ميس فاطمة، مدرسة التاريخ في الصف الأول الإعدادي: \”إنتي يا داليا إنتي؟!!!\”..  لو كانوا اخترعوا \”الليمبي\” حينها، لصرخت: \”وأنا اللي كنت فاكراكي مؤديبة\”. فقد أصيبت بالدهشة والذهول، عندما رأت الفضيحة؛ محفظتي تحمل صورة \”جورج مايكل\”، وقد التفت زميلاتي حولي ليشاهدن الصورة.. في الحال تمت مصادرة المحفظة، وخرجت ميس فاطمة من الفصل غاضبة.

ميس فاطمة لأنها تدرّس التاريخ، ولا تعرف غيره، اعتقدت أن \”جورج مايكل\” هو الفتى الذي أحبه، بمعنى أدق \”الولد اللي أنا ماشية معاه\”. وكانت الصدمة، داليا المهذبة، الهادية النادية، بتعرف ولاد.

خرجت خلفها لأوضح لها الأمر: \”يا ميس والله دي صورة مغني أجنبي\”، وجاء الرد: \”داليا، ما تعمليش زي البنات التانيين، أنتي بنت كويسة ومؤدبة\”.

لأيام ظللت حزينة على صورتي التي اهتزت أمام معلمتي وأنا الفتاة المهذبة الهادئة التي يجب أن تظل هكذا في أعين الجميع.

البنت الخجولة  كانت مصدر فخر المعلمات والمعلمين، مثال يحتذى به، وتضرب بها الأمثال. كانت معلماتي تشعرن بالأسى والألم إذا ما ارتكبت خطأ ما، واضطررن لمعاقبتي و\”أنا البنت الكويسة\”.

كان الهدوء والجخل الشديدان مصدرا لاحترام وتقدير وحفاوة أصدقاء العائلة أيضا، حيث إنهما من شيم \”بنات الناس\”، ولا اذكر أنه قد تم التعامل مع هذه الصفات على أنها نقاط ضعف في شخصيتي تستحق التطوير والاهتمام، وليس المديح والإطراء.

لكن، لما كل هذا الاحتفاء بهدوءي وخجلي؟ ما المبهج في أن تنظر الفتاة للأرض؟ ما السعيد في ألا تنظر للناس في أعينهم؟ ما الجميل في ألا تجادل كثيرا؟ مين كاسر عينها يعني؟ طبعا الإجابة واحدة دائما: \”عشان هي \”بنت\”، وطبعا الخجل والحياء يربتطان ارتباطا وثيقا بتقدير المجتمع للفتاة.

ولكن دعوني احدثكم عن هذه الفتاة التي فرحتم بها. فقد ظلت هذه الفتاة لأعوام طويلة لا تقوى على أن تعبر عن أرئها أمام أي مجموعة من البشر تزيد عن فردين. خلف ابتسامتها الهادئة مئات الصفعات التي، ودت أن تهديها لبعض من منعها خجلها من أن تجادلهم كثيراً. ناهيك عن حقوق كثيرة أُهدرت لأنها لم تتعلم كيف تسترد حقها من الآخرين. أضف إلى ذلك الحساسية الشديدة، فقد يكسرني النقد، حيث إنني غير قادرة على إثبات العكس، وأنا التي تبتعد عن الدفاع عن نفسها حتى لو كانت هناك ضرورة لذلك. حُرمت أيضاً متعة المغامرة وكسر المألوف التي خبرتها العديد من صديقاتي.

البنت المستحية ستعرف الإجابات وتحتفظ بها لنفسها، لن تطلب قراءة الدرس في الفصل رغم نطقها السليم للغة العربية. ستكتب وتحتفظ بما كتبت في الأدراج ولن يراه أحد. سيعتقد البعض أنها تلك الفتاة المغرورة ولن تحاول تصحيح هذه الصورة مطلقاً.

أخيرا.. ستبذل البنت مجهودات مضنية للتخلص من خجلها ومواجهة العالم بما لديها، سواء احبه هذ العالم أو كرهه، ومجهودات مضنية أخرى للتخلص من انحناءة خفيفة في الظهر صاحبتها كثيراً.. ربما تنجح، لكن أيضاً ربما لا تستطيع.

لا اكتب هنا ضد الحياء كقيمة، قد تكون إيجابية إن وجدت لدى البنات أو الأولاد على حد سواء، لكن اكتب عن هذا الخجل الذي يقتل التجربة، وتتعامل معه مجتمعاتنا بالترحيب والفخر، إذا ما وجدته لدى البنات، في حين إنه سيتم التعامل معه على أنه \”حاجة تكسف\”، إذا ما صاحب شخصية ولد (ذكر).

اكتب عن الحماية والخوف المبالغ فيهما، والذي يمارسه البعض في التعامل مع الفتيات.

الآن وددت لو قابلت ميس فاطمة لاسألها: \”كان فيها إيه يا ميس فاطمة لو كانت دي صورة الولد اللي باحبه؟\”.

وددت لو قابلت المحتفيين بخجلي لأسألهم: \”كان فيها إيه لو قولت لي ما عندكيش حاجة تتكسفي منها وما حدش كاسر عينك\”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top