بسمة مجدي تكتب: أضغاث أحلام

\"\"

ربما استغرقت أكثر من الوقت المعقول بقليل كى استهل هذا المقال، فكرت كثيرا كيف أبدأ؟ كثيرا ما أشعر أن الكتابة أشبه بأن تقصص لأحدهم رؤيا فى منامك، أنت فقط تراها واضحة، وكلما كنت كاتبًا جيدًا كلما يراها الناس كما تراها أنت بالضبط، أليس كذلك؟ أظنها مهمة صعبة، حيث يختلف الناس فى وصف تجاربهم وفقا لمعاجمهم الخاصة من الكلمات، فلسنا جميعا نطلق على ذات الأشياء ذات الكلمات والأسامى. ولا أعلم حتى إذا كنا نرى العوالم بنفس الألوان فما أدرانى أن الأزرق الذى تراه هو الأزرق الذى أراه؟ وأن تعريفك أنت للحزن الشديد يماثل تعريفى له، فلكل منا بناء معرفى خاص به ومعجم كلمات يفهمها ويعبر بها وهذا بغض النظر عن أين الصواب والخطأ وماهية الأسامى والأوصاف الحقيقية للأشياء، وبغض النظر أيضًا أنه مهما اختلفت أنا وأنت فى ماهية اللون الأزرق فنحن نتفق على أنه لون البحر والسماء. إذن ماذا أفعل كي أجعلك تشعر بما أشعر وتفكر بما أفكر أنا؟
وفقًا للأفتراضات السابقة فعليّ أن أفهم معجم جمهورى، فلا أتحدث بالفصحى مع أمي مثلا ولا أستخدم تشبيهات ونكات مصرية لإيصال وجهة نظرى لشعب أجنبى لن يفهم نكاتى، بل وقد تهينه بلاهتى. مهم جدا أن أعلم لمن أكتب، إلا أن الأهم من ذلك وما كان أجدر بالذكر أولا هو أن أعلم أنا جيدا ماذا أكتب ولماذا أكتب؟ فمثلا هنا، أنا لا أكتب هذا المقال كى أعطيك أي نصائح حقيقية عن الكتابة أو حتى أن أنقل لك خلاصة تجربتى الضئيلة واستناجاتى السطحية، بل أكتب لأخبرك يا صديقى عن حالى كنوع من الـ \”فضفضة\” وإيجاد الونس والألفة فى المشاركة. أكتب لأخبرك أنى كثيرا ما أجهل ما أريد أن أخبرك أياه من الأساس، فالرؤيا التى أحاول أن أقصها عليك ناقصة ومشوشة كأنى استيقظت فى منتصفها لا أتذكر منها إلا أضغاث أحلام، إلا أنى لازلت أريد أن أشاركك إياها فتزيد صعوبة أن أصفها لك لتفهمها أنت بمعجمك صعوبة إنى أنا نفسى لا أستطيع أن أستبينها بمعجم كلماتى؛ أنا لا أعلم ما الكلمة المناسبة لوصف شعورى حتى.
كيف أخبرك أنى كالطفل تماما فى انبهارى بكل الأشياء وجهلى لكل الحقائق، لكنى أخالفه فى أنى لا أتقبل جهلى كما الطفل بمرح وفضول، بل أقضى أغلب الوقت أندب جهلى وأجلد ذاتى، وأنى قد أقضي النهار فى درس للعقيدة أشعر خلاله أن الدنيا صغيرة لا تستحق أى عناء؛ كل الأشياء فانية أحلامى وآمالى وآلامى. فنوح -رضى الله عنه- أطول النبيين عمرا عندما سأله ملك الموت كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: \”كرجل دخل بيتا له بابان، فقام فى وسط البيت هنيهة –القليل من الزمان-، ثم خرج من الباب الآخر\”. فالدنيا لدى أى عاقل مدرك لحقيقتها قليلة. لكن يأتى الليل فأنسى درس النهار ويشغلنى البحث عن أفضل الطرق للوصول للثراء. فما زالت تلك الدنيا مهما صغرت كبيرة فى قلبى، مازلت أريد الكثير من ذاك القليل.
كيف أخبرك أني كلما ظننت أني توصلت إلى شيء ما، نظرية أو فلسفة أو فكرة، تراجعت عن مشاركتك إياها لأنى أشعر أن شيئا ما ينقصها، ولأنى أدرك أن أيام السذاجة ولت فما عدت سريعة فى إطلاق الأحكام وافتراض الاستنتاجات. توقفت عن التظاهر بمعرفة ما يجب عليّ معرفته حتى إنني توقفت عن التظاهر بأني أعرف أى شئ على الأطلاق. لم أعد أظن بنفسى ما يكفى من الخير كى أصدق أن لدي ما قد يفيدك أو ما يستحق أن أكتب عنه، فأحجم عن الكتابة شهر ثم شهور ثم سنين وها أنا أعود لأكتب فقط لأصيبك بالصداع ببضع سطور غير مرتبة وكلمات متكررة فى محاولة بائسة أن أقصص عليك رؤياي لعل وعسى أن أجد بعضا من العزاء فى نظرتك الحائرة عند نهاية المقال، فعلى الأقل أنت الآن تشاركنى حيرتى، لربما تكون أسمى صور الدعم هى المشاركة، أن نمر معا بما يمر به كل منا على حدا. فكلنا نحيا نفس أضغاث الأحلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top