منى يسري تكتب: حماة الفضيلة برعاية قوس قزح

\"\"

بينما أقف على قارعة طريق نهج محمد الخامس في العاصمة \”تونس\” تأتيني إحدى الصديقات، برفقة صديقها الذي لم أتبين في البدء هل كان رجلًا أم فتاة، يبدو من على بُعد أحد أبطال فيلم هوليودي يؤدي دور رجل مثلي الجنس، يبدو مثل الصورة النمطية التي ترسمها السينما في مخيلتنا نحن العرب عن المثليين جنسيًأ، يبدو الأمر صادمًا لي في البدء، فقد طغت طبيعتي المصرية المتدينة بطبعها عليّ في تلك اللحظة وسألتها: هو صاحبك Gay؟ فأجابت -بمنتهى التلقائية- بالإيجاب، استكملت السؤال: وأصحابه عارفين إنه Gay؟ فأجابت بـ \”نعم\”، وحين استكملت، لأسأل: وبقيت الناس عارفة إنه Gay؟ فأجابت وقد بدا عليها التذمر، نعم وعايش مع صاحبه زاده \”كمان\”، حينها استولى الذهول على عقلي، كيف يمكن لمواطن عربي أن يصرح بمثليته الجنسية دون أن يناله الأذى؟ فأتاني الرد من حيث سألت: \”ولكنها تونس!\”
في إحدى الحلقات على قناة DW، يحكي الشاب اللبناني مثلي الجنس إبراهيم مقداد معاناته 15 عامًا منذ اكتشف ميوله المثلية، إلى أن غادر لبنان، وما تعرض له من أذى نفسي وجسدي، على جميع الأصعدة، وحين اصطحبته أمه إلى الطبيب النفسي كما أرشدها الشيخ في المسجد، ليكتب الطبيب بعض المهدئات للأم، لتتناولها كلما استشاطت غضبًا عندما تتذكر أو ترى ابنها مثلي الجنس، محاولًا إفهامها أن الأمر ليس مرضًا ولكنها طبيعته، وليس هناك من دواء لطبيعة إنسان.
دموع إبراهيم التي غلبته معظم الحلقة وهو يتذكر ما حدث له، من محاولات القتل، والسجن 5 سنوات، والإغتصاب شبه اليومي، من المساجين، هو لا يعرف لماذا يحدث كل هذا! متناسيًا أنه في بقعة من الأرض، ترتضي كل أنواع الشذوذ، إلا الجنسي، خائفين على عرش الرحمن من الإهتزاز.
إبراهيم القادم من بلد أنهكتها حرب أهلية 16 عامًا من القتل والذبح بين طائفتين من نفس الدماء والأرض، لكن لم ير أحد في فعلتهم شذوذًا يستحق الزجر!
وحين طالعتنا الصحف المصرية المعروفة بموضوعيتها ومهنيتها، بخبر القبض على رافعي راية المثليين جنسيًا في حفل \”مشروع ليلى\” بحي التجمع الخامس، والثأر ممن تسببوا في زلزال في العرش الإلهي، الذي لم يهتز لدماء آلاف القتلى التي لم تجف بعد، المختطفين، المعتقلين، المُغتصبين داخل أروقة السجون الفخمة، التي يُعدها النظام على أعلى مستويات الإهانة الإنسانية، بالطبع لا يمثل هذا الأمر شيئا من الشذوذ ممن اعتادوا رؤية الدماء، وسماع تعداد الموتى والمعتقلين، ورؤية دموع الأمهات الثكالى، لم يكن الأمر يمثل لهم شيئًا من الشذوذ.
خلال الأسابيع الماضية، طالعتنا المنظمات الحقوقية، بتقرير منظمة العفو الدولية عن وضع حقوق الإنسان في مصر، وقد وردت بعض الشهادات لأشخاص تم تعذيبهم في السجن، وشهادات من المساجين بما يحدث معهن، اهتزت الصحف الأجنبية، ومنعت الولايات المتحدة الأمريكية معونتها عن الدولة، إلى أن يتم مراعاة حقوق الإنسان، ولم يحرك الشعب المؤمن ساكنًا، لم يهتز عرش الرحمن، فهو بالطبع يهتز حسبما يريد سيادة اللواء!
في أحد مشاهد فيلم \”عمارة يعقوبيان\”، والتي يمثل فيها محمد إمام دور الشاب الإسلامي، الذي أرادت الشرطة أن تفقده رجولته، فاغتصبوه، كأحد وسائل التعذيب المهينة، وهو ما كان يحدث بشكل يومي أيام مبارك، ولا يزال يحدث حتى اليوم، إن لم يكن على صعيد أكبر، أليس من الجدير أن نسأل أصحاب النجوم المعلقة فوق الأكتاف، رعاة الفضيلة والأخلاق، من يغتصب هؤلاء المساجين، يا أصحاب المقام الرفيع؟
هل تجندون فتيات في الشرطة لإغتصاب السجناء السياسيين، أم أن إغتصابهم ليس شذوذًا، وإنما هو شذوذ وطني مُعتدل، لا يهتز له عرش الرحمن!
يكفي أن تمر بناظريك على مجتمع السوشيال ميديا الذي تناول الأمر، بما لا يدع مجالا للشك أننا نعيش في مستنقع من العفن، كلما مددت يدك إلى العمق لتأتي بالقاع فإن القاع يتسع ليشمل المزيد، هذا المجتمع الذي يرتضي، أن يضرب الرجل زوجته، ويقنن الإغتصاب الزوجي، ولا يرى في ذلك شذوذًا، أعتقد أن الحالة مستعصية، وأننا قوم نسير عكس حركة التاريخ، فأوروبا التي كانت تحرق المرضى النفسيين في القرون الوسطى، ظنًا بأنهم أرواح شريرة، تقر اليوم بأن المثلية الجنسية ليست مرضًا ولا ظاهرة تعالج، بل وتقر لهم بالزواج في بعض الدول، ولا زلنا نتوجه بالأطر، للشيخ الفلاني، لصنع عمل جلب الحبيب، ونطارد المثليين، بل لا عجب إن استيقظنا ذات صباح ووجدناهم ملقون من أعلى جبل المقطم، حتى يكف عرش الرحمن عن الاهتزاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top