وسام الأهواني تكتب: تفتكري أنا كده هشبع يا يسرية؟

\"\"

قالها إبراهيم في فيلم \”أحلى الأوقات\” بلهجة تمزج بين التعجب والاستنكار والعتاب عندما قالت له يسرية بغضب عارم ردا على سؤاله بخصوص وجبة الغداء: يعني أطلع ارميلك نفسي من فوق السطوح يا إبراهيم؟
مشهد كوميدي مضحك وكثيرا ما نستخدم الجملتين السابقتين في حياتنا اليومية، لكن بعيدا عن الكوميديا والضحك دعونا نقترب أكثر من البعد الفلسفي للجملتين.
فالجملة الأولى تحتوي على كم مبالغ فيه من التضحية غير المبررة وغير المفيدة.. تلك المبالغة السالف ذكرها تعتبر أسلوب حياة لدى بنات حواء بل وحواء نفسها.. راجع عبارة البعد الفلسفي السابقة فقد تم ذكرها من قبل امرأة بالرغم من عدم وجود أي فلسفة في الموضوع، ولكن تم إدراجها مبالغة ليس أكثر -فقد قررت الأنثى دعونا نطلق عليها يسرية أن تتخلى عن أحلامها وطموحاتها -إن وجدت- ورغباتها بل إنها في كثير من الأحيان تتعمد إهمال صحتها ونفسها وعقلها وهيئتها ككل حتى أصابها النكد والإحباط وتظل تردد الجملة الشهيرة: أنا ضحيت.
في البداية، أود أن أشكر سعادتك على تضحياتك غير الموضحة، ولكن أظن أن عدم ذهابك للطبيب وأنت في أمس الحاجة لذلك لن يفيد أبنائك أو زوجك أو أي كائن موجود على المجرة فالمستفيد الوحيد هو العاملين بغرفة العناية المركزة ثم الحانوتي!
أيضا ما وجه التضحية في أن تأكلي فضلات طعام أطفالك ثم تتجرعين كمية لا بأس بها من البطاطس المحمرة بحجة الاكتئاب الشهيرة ثم تبررين ضعف صحتك وتدلي هيكلك بأنه تضحية من أجل تربية أبنائك، فأنا أرى أن تربية الابناء المزعومة هي عبارة عن ركض متواصل وعدم وجود وقت لتناول الطعام. لِمَ السمنة إذن؟
تركك لعملك -وأنت بحاجة إليه- وإهمالك لصحة عقلك ومشاهدتك لمسلسلات تركية لا تمت لواقع تركيا نفسها بصلة لن يفيدك بشئ بل يصيبك باكتئاب حاد ومزمن مختلط بكراهية للمجتمع أجمع.
تضحين تضحيات غير مبررة وغير مطلوبة فتدميرك لذاتك وصحتك وأعصابك لن يجدي بالنفع على أحد بل فقدانك قد يضرهم جميعا بل حتما يضرهم جميعا، فأنت تمثلين التجسيد الحي لأسطورة سيزيف بل أنت الحقيقة الوحيدة التي تثبت أنها ليست أسطورة، ترمين حجرا يزن طنا من فوق جبل وتلهثين ورائه ثم تصعدين للقمة لترميه مرة أخرى منتظرة الشكر والعرفان والتهليل لمجهودك الضائع! ثم
تأتي الطامة الكبرى عندما تردد يسرية جملة (يعني أرميلك نفسي من فوق السطوح؟) ويأتي الرد المنطقي: وتفتكري أنا كده هشبع يا يسرية؟
هذا الرد في منتهي المنطقية فهو سألك سؤالا محددا، لماذا تحيدين عنه؟
فيه أكل؟ لأ مفيش؟ إزاي ماطبختيش؟ وهنا يمكنك الرد بأحد الردود التالية:
حاضر هطبخ؟
ماكنتش فاضية؟
اطلب دليفري؟
كل عند الوالدة؟
ولكن رميك لنفسك من فوق السطوح لن يجيب على سؤاله حتى وإن رميت نفسك ثلاث مرات يوميا في موعد الوجبات الرئيسية.
وبالقياس في شتى مجالات النقاش اليومية تحيدين عن الموضوع الرئيسي وتشعرين بمرارة وألم ثم تتفوهين بجملة مبالغ في محتواها، كلماتها ذات جرس رنان يسبب طنينا في أذن المستمع وعقله.
أسلوبك العاطفي والمبالغة في ردة فعلك والتهور اللفظي المستمر (كاستخدامك المفرط لكلمة طلقني شكرا) جعل منك أضحوكة على ثغر العدو وقصصك وعباراتك غير المنطقية جعلته يستشهد بها في كل موقف من أجل قلب الترابيزة -وهي رياضة برع فيها الرجال على مر العصور- فأسمحي لي أن أهمس في أذنيك واقول بهدووؤ:
اهدي يا منار، تريثي ولا تتسرعي في كلامك، مارسي اليوجا أو التأمل لعلك تخرجين كمية الطاقة السلبية الكامنة بداخل جسدك المسكين من أجل سلامة عقلك، لا تضحي فالحياة لا تحتاج إلى امرأة مضحية، بل تحتاج إلى امرأة عملية وأيضا إذا حدث وتم قلب الترابيزة عليكي فأرجوكي أرجوكي لا تقولي (أنا زفت وزبالة يا إبراهيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top