نورهان فهمي تكتب: العنف المشروع

\"\"

يا لها من مصادفة غريبة بتوالي كل الأحداث الأخيرة التي أُقابلها مرارًا وتكرارًا على السوشيال ميديا \”أب يغتصب ابنته\”.. \”أب يقتل ابنه\”.. \”أخ يغتصب أخته\”…
بصراحة تلك الأحداث تثير وتزيد من اشمئزازي تجاه نزولي إلى الشارع.
لك أن تتخيل بأن تقنع عقلك بأن هؤلاء هم والِد أو والدة أو أخ أو أُخت أحدهم وقد تمكن من قتله نفسيًا أو جسديًا، فما بالك بما قد تفعله الناس بك في تلك الغابة الواسعة!
قد يرى البعض التهويل في كلامي، لكن فلننظر عن قرب إلى حوادث العُنف المنزلي وهنا أنا لا أتحدث فقط عن العنف المنزلي تجاه الإناث فقط، فالذكور أيضًا مُعرضون للعنف، قد تكون أبسطها ذلك التجريد الكامل من الإنسانية الذي يتعرض له 99% من الذكور الشرقيين تحت مُسمى \”أنت رجل\” فهو يفقد قدرته على البكاء وعلى الشكوى وعلى إظهار ضعفه وقد يستخدم سلطته على إناث أُسرته لكَونه الذكر الأعظم بينهم ويصفق له الجميع بما فيهم هؤلاء الإناث المستضعفات، وهناك من يتعرض منهم لعنف جسدي بسبب مظهره الخارجي أو إبدائه للرأي المختلف عما اعتاد المجتمع أو لأي شئ غير \”اللي اتربينا عليه\”، فأنا حقًا أُصاب بالهلع عندما أُدرك أن أحدهُم قد عبَر بوابة العشرين ولكنه لا يزال مهدد بسياط أبيه أو \”حزام الوسط\” الخاص بأمه.
بالطبع لا توجد أي مقارنة مع العُنف المنزلي تجاه الإناث الذي هو أضعاف مضاعفة ويَظهَر ويتَجلى بكل وضوح في وجوههن وطموحهن وأحلامهن، فقد نجد أُنثى أقصى أحلامها أن تحيا بلا ممارسات العُنف من أخيها أو أبيها تجاهها أو تسلط أمها على تفاصيل يومها البسيطة وهيمنة الأُسرة كلها على حُريتها.
تتعرض الأنثى العربية لكبت فكري ونفسي من الأهل خوفًا على شرفهم، في حين أنهم قد أخبروا الذكر أنه بلا شرف تقريبًا وهذا ما سبب كل ذلك الصراع.. فيبدأ الذكر في البحث عن شرفه في أخته وأمه وزوجته وابنته ويتصرف غالبًا بلا شرف!
في رأيي، هذا نوع من العنف الفكري الذي ولّد تلك الطائفة اللاعقلانية اللامتناهية من الذكور للأسف الشديد، فقد يضرب إناث أسرته جميعًا أو يحرقهن أو، أو، أو.. ويظل بطلا مغوارا مدافعا عن شرف الأسرة، في حين أنه كان يهتك عرض أحداهن منذ لحظات بالتحرش بها لفظا أو فعلًا.
يبدأ الأمر منذ الطفولة، يتجلى العنف الأسري تجاه بعض الأطفال، فقد أظهرت الدراسات أن 92% من الأطفال يتعرضون للعنف الأسري في مصر وفقًا لدراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والقومية، وهي نسبة مرعبة حقًا وتكاد تُبشرك بمستقبل هؤلاء الأطفال، فكلنا نعلم أن العنف دائمًا ما ينتهي بدمار للكل وليس للشخص فقط، والأطفال هم أساس أي مجتمع يبحث عن التطور.. هم من سيشاركوا في تطوير المنظومة الملامة غالبًا بجهلها، فما بالك أن تزرع تلك المنظومة سمومها في تلك الثمار اليانعة.
لقد أظهرت دراسات أخرى أيضًا أن 92% من الجرائم الأسرية تتم تحت مسمى \”جرائم الشرف\”، والنصيب الأكبر يذهب للأزواج ثم الأشقاء ثم الأبناء على أمهاتهم، وتختلف أساليب العنف من حرق وضرب بأداة حادة، يصل الأمر بالقتل رميًا بالرصَاص أو سلاح أبيض والحرمان من الطعام حتى الموت.
أنا لا أعتقد حتى أن هناك سبب قد يستدعي أن أعُذب أحدا من أفراد أسرتي بهذا الشكل لأجله!
الآن وبعد أن أعطيتكم نظرة سريعة وعامة عن حال أغلب الأسر التي قد تنظرُ لها من الخارج تراها متزنة وتستغرب أي فعل من أفرادها قد يَشِذ عن المعتاد، فلننظر للمجتمع بنظرة أعم وأشمل، تُرى هل يمكن لهذا المجتمع أن ينتج لنا فردا صالحا؟!
بالتأكيد لا وبالإطلاع على كل هذه الدراسات المرعبة، نحن نذهب مهرولين تجاه حافة الجحيم حريصين كل الحرص على أن لا يلحق أحدهم بنا ويجذبنا نحو الصواب، نحن نخاف وبشدة في مجتمعاتنا العربية على شرف نسائنا وننسى أجسادهن المعذبة وأرواحهن المرهقة من كثرة ما تمر به الأُنثى في المجتمعات العربية الذكورية، وننشئ الذكر كوحش متسلط ونقتل فيه صفة الإنسانية طمعًا في أن يحمي شرف الأسرة ويجلب العِزة والكرامة والفخر للأسرة ولكنه يعاني أيضا. فما من أحد لم يعد يعاني من تعاليم المجتمع البالية، حتى من وضعوها صاروا الآن يعانون منها ولكنهم لن يحركوا ساكنًا، بل سيلزمون الجميع على إتباعها ويحاربون ويقتلون كل من حاول الخروج عنها كما لو أنها دين يتبعه كل مجتمع رجعي متخلف مكمم الأفواه.
الجدير بالذِكر أن الجناة في جرائم العنف الأسري ليسوا دائما ذكورا، بل هناك إناث أيضًا وهو ما تجده غريبا في بعض الأحيان، فحسب إحصائية أيضًا أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية 23% من مرتكبي حوادث العنف الأسري من الإناث مقابل 77% ذكور.
معظم الدراسات الحديثة أظهرت أن العُنف الذي تواجهه المرأة أكثر من ذاك الذي يواجه الرجُل في المجتمعات العربية حيثُ أن المرأة تتعرض يوميًا للتحرش بكافة أشكاله في حياتها اليومية، مقابل أن نادرًا ما يتعرض الرجل للتحرش، ولكنه يحدث بالفعل، لا يمكن أن ننكر هذا.
تتعرض المرأة لقمع وقهر من قِبَل أسرتها في كافة أشكال حُريتها، مقابل أن معظم الرجال يتمتعون بتلك المميزات على حساب الإناث من أسرهم دون سبب واضح سِوى أنهم ذكور ليس إلا.
أما عن الجريمة الكبرى والتي أعتبرها من كبائر الجرائم هي جريمة الأغتصاب بغُلاف شرعي (الزاوج) بالغصب، فما هو إلا ورقة تمنح الحق للمغتصب أن يغتصب ضحيته تحت أعين أسرتها والمجتمع بهدف الستر والزواج، وهو ما تفرضه الأسرة في الأغلب دون النظر لما تريد الفتاة، وقد يستخدمون العنف الجسدي لإجبار الأُنثى على الموافقة على هذا الزواج الزائف.
كما أن اغتصاب الأزواج لزوجاتهن لم يوضع له أي قانون مانع حتى الآن في أي دولة من الدول العربية وليس مصر فقط، حيث إن الزوج قد يُمارس الجنس مع زوجته رغمًا عنها دون أن يحاسبه القانون تحت مُسمى رِباط الزوجية، غير أن هذا -بمسمى آخر- هو اغتصاب، فالسؤال هو: إلى متى ستظل الدول العربية تُعطي الحق للزوج فس اغتصاب زوجته بصك ملكيته لها عن طريق الزواج الذي قد يكون رُغمًا؟ قد لا نجد إجابة أبدًا لهذا السؤال.
من الجرائم التي باتت أكثر شيوعًا في مصر تحديدًا والبلدان العربية والافريقية عمومًا هي جريمة ختان الإناث، وإذا نظرنا للختان كإحصائية أخيرة نجد أن 27.7 مليون امرأة مصرية تعرضت للختان. الدافع وراء ارتكاب هذه الجريمة هو دافع ديني يرجع إلى قناعات خاطئة لا أصل لها من الصحة وهو أيضًا نتاج الهوس الجنسي المسيطر على المجتمع.
هذا ما سنستنتجه من معظم الحوادث التي نصادفها يوميًا سواء كانت تحرشا أو اغتصابا أو زواجا بالغصب أو ختان.. إلخ. ونستنتج كذلك أن المجتمع العربي مهووس تمامًا بالجنس ويستخدم غطاء التدين لمنع هذه الحقيقة عنه ويستخدم الشرف لمنع هذا أيضًا فيمارس كافة أشكال العنف الأسرى على الرجل والمرأة والأطفال سعيًا لمنع ظهور هوسه الجنسي، وفي الحقيقة هم أكثر الناس هوسًا بالجنس من غيرهم في العالم، بينما يدعون أن الغرب فاجر وفاسق.
ونتيجة لكل هذا العنف الأسرى ينتج لدينا أفراد مجتمع مصابون بالعديد من الأمراض النفسية، يتعاملون معنا في خلال يومنا لنتعرض نحن أيضًا للعنف من قبل المجتمع وتظل الدائرة مُنغلقة على ذاتها، فالعنف أصبح الندبة الأعظم في وجه العالم العربي بشكل قد لا نلحظه ولا يخطر على بالنا، وأن سبب كل هذا العنف في الشوارع وبين الناس بعضها البعض وكل هذه الجرائم أساسها بدأ من قهر وبطش الأسرة بأولادها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top