سيداتي سادتي رواد كوكب الأرض المنغمسون في وهم (اتعب في الثانوية حترتاح بعدين)، نهنئكم بحلول العيد السنوي لـ (الأفورة) عند قدماء المصريين، موعد إعلان نتيجة اختبارات الثانوية العامة، تلك الأيام التي تكون الفرحة مبالغ فيها والحزن أيضاً مبالغ فيه، لسبب لم يكتشفه العلماء بعد.
الآن، أنتم على لقاء مع الموعد السنوي للبحث عن عناوين ومصاريف الجامعات الخاصة، ومحاضر تغيب المراهقين عن المنزل وزيادة معدلات انتحار الفتيات، كشفت التحريات أن السر وراء كل ذلك هو رقم مكتوب في ورقة يشهد العالم والجاهل أنه أثبت عدم جدواه في تحديد مصائر البشر -إلا من رحم ربي- ولكن لا حياة لمن تنادي.
إن كنت تستعد لإقامة حفل بمناسة نجاحك بمجموع كبير، فهذا حقك بالطبع ولكن أرجوك تمهل قليلاً قبل كتابة اختياراتك بمكتب التنسيق ولا تنجرف وراء نصائح عمو وجدو والسلام، اختر المجال الذي سترى نفسك فيه مختلفاً وناجحاً حقاً، هناك الملايين الذين (عملوا البدع) كي يلتحقوا بالكليات التي يطلق عليها أهل الكوكب (كليات القمة)، وفي النهاية لم يشعروا بأي إنجاز في حياتهم إلا بعد الاتفاق على افتتاح مشروع مطعم أو محل ملابس.
أما إن كنت من المصدومين بسبب قلة مجاميعهم، فحاول أن تستخدم تطبيق سيارات الأجرة على تليفونك المحمول وقم بسؤال السائقين عن كلياتهم التي تخرجوا منها قبل أن يظهروا لأن يكونوا سائقي أجرة واستمتع بالانبهارات والمفاجآت.
طلبة الطب محبوسون في واقعهم بين أن يكونوا أطباء في مستشفيات وزارة الصحة يتلقون سباب ولعنات الأهالي كل يوم لعدم وجود إمكانيات تسعف مرضاهم أو أن يعتمدوا على (تحويشة العمر) للحصول على زمالة من جامعة دولية على أمل أن يساعدهم هذا في حياتهم الوظيفية بعد بضعة سنوات.
خريجو كلية الهندسة احتلوا مراكز الكورسات في كل محافظة مصرية بحثاً عن خبرات جديدة تجدي معهم سواء كانت في التسويق أو اللغات أو البرمجة، بينما خريجو كلية الصيدلة اكتفوا بشرب كلوريد الصوديوم قبل الأكل وبعده بعدما علموا أن الراتب الشهري للوقوف في أي صيدلية لمدة 8 ساعات يومياً هو 800 جنيه فقط.
مجموعك الذي عذبت نفسك من أجله وعذبت أهلك معك مجرد وهم صنعته وحبست نفسك بداخله، لا أهمية لهذا الرقم إلا لكي يكون بوابتك لدراسة مجال تحبه، ولا يوجد أي أهمية لاسم الكلية أو الجامعة التي التحقت بها إذا لم تستطع بعدها أن تستفيد مما تعلمته في عمل يرضي طموحك ويحقق أحلامك، أصبحنا مشتتين لدرجة أن نرى أن مجموع الثانوية العامة هو الغاية رغم أنه في الأساس مجرد وسيلة.
لا أدعي أن جميع من التحقوا بكليات مرموقة أصبحوا عاطلين ومفلسين، هناك الملايين الذين حققوا ما حلموا به بعد نجاحهم في الدراسة، ولكن المؤكد ايضاً أن هناك ملايين أكثر لم تحقق ما تمنته وضحت من أجله، واضطرت لتغيير مسار دراستها وعملها بعد مرور سنوات، وأعتقد أن جميعنا يعرف نماذج من تلك الشخصيات في حياته.
عزيزتي التي تبكي في حجرتها الآن من أجل فارق 1% سوف يمنعها من دخول كلية الطب، أخي الذي بدأ البحث من الآن عن عناوين ومصاريف الجامعات الخاصة متوقعاً ولكن لن يفاتح والده في الأمر إلا بعد تحرير محضر ضده بعدم التعرض، التقطوا أنفاسكم وتصالحوا مع أنفسكم قليلاً.
أنا وغيري الملايين أتينا إليكم من العالم الآخر، عالم خريجي كليات القمة الذين (أخدوا أحلى مقلب من وراء تلك المسميات) وقرروا تغيير مسار عملهم بعد سنوات من التخرج والمحاولات، نقول لكم: \”أرضوا بالمجموع الذي حصلتم عليه، ولا تحملوا الأمر أكبر من طاقته لا بالفرحة المبالغ فيها ولا بالحزن والندب.
حاولوا أن تسألوا خريجي الكلية التي تحلم بها عن طبيعة دراستهم وعن مجالات العمل بعدها وعندها فقط اتخذوا القرار المناسب، وتذكروا دائماً أن الكلية مثلها مثل المجموع مجرد وسيلة، حتى لو وصل بكم الأمر لعدم الالتحاق بأي جامعة والاكتفاء باجتياز دورات مدفوعة في مراكز الكورسات ولكن في مجال تعلمون أنكم سوف تنجحوا فيه، هذا ربما يكون أكثر نفعاً لكم من كلية (قمة) لازال خريجوها في مرحلة القاع حتى الآن\”
نصيحة أخيرة، ابحثوا بكلمة (حسام هيكل) على \”جوجل\” واقرأوا جيداً ما سيظهر لكم من قصة نجاح لمراهق حصل على دبلوم صنايع (مافيهاش 90% دي) وأصبح الآن وهو في عمر الـ 28 عاماً نائب مدير إقليمي لقطاع مبيعات الشرق الأوسط، ومدير إدارة تطوير التسويق والمبيعات، كيف تحقق هذا رغم كونه لم يجتز (بعبع الثانوية)؟ هذا ما نحاول توصيله إليكم منذ سنوات، ولكن سكان هذا الكوكب صعب إقناعهم!