مجتمعنا يهوى التهميش ويقدره، مما جعلنا نتدافع نحو اللا جدوى بضمير مرتاح. تهميش الوالدين لابنهما تطبيقا لمبدأ إيقاف المراكب السائرة.. تهميش الصديق لصديقه عندما يطفح به الكيل بعد مراحل من النفاق والمساندة، أو التهميش المباشر.
هي عملية مثبطة تقنع الشخص بالعدول والانزواء، لكن أحيانا يحدث تأثير عكسي فتعطي قيمة لمن ليس لهم قيمة حقا، بل وتخرجهم للنور، فلا تملك إلا وضع كفك على جبهتك وتحني رأسك أسفا وتصمت لأن عندك الضغط وماشي على علاج وصحتك لا تسمح لمثل هذه الترهات.
النوع الأول من فئة المهمشين يحتاج إلى تصفية الخلافات وسنساعدهم بافتراض بسيط لأنهم فعلا يعانون؛ فلان ناجح في كذا مما أثار سخط صديقه فاستكثر عليه فرحته وقلل من شأن ما انجزه وبذلك أضاف عائقا جديدا لمعركة صديقنا الناجح.. أفلا يكفي ما واجه وما سيواجه؟! لا، يبدو أن في التهميش شهوة لا يمكن مقاومتها.
هناك حلين لتلك المسألة.
الحل الأول: إن كان مجاله هو نفس المجال الذي تريد التوفيق فيه، فتلذذ بالمنافسة.
الحل الثاني: إذا كان يكد في عمل ليس لك فيه، فأسعد لسعادته حين يفلح، كن متسامحا فقط ففي الدنيا ما يكفي من الشقاء.
النوع الثاني هو مشكلة المرء بشكل عام، حيث إنه لا يأكل مما يليه. فيريد باستمرار رزق غيره. فيسعى ويسعى وهو لا يعرف نفسه. يمتلك ثم يخيم على ما امتلكه نوع من الغربة تمنعه من الاستمتاع أو مواصلة الاستمتاع، وحينها يغيب عن عناصر الحياة عنصر الراحة ويحل محله عنصر الحسد والغيرة من نجاح شخص آخر وعنصر العناد، فيظن أنه يثابر لهدفه وهو لا يفعل ما يفعل إلا ليقتنص لذة إثبات الآخرين لخطئهم. بعبارة فلسفية مختصرة من سائق ميكروباص: (ده مش كتر مال.. ده عند في الأندال)
تكمن هنا مفارقة السبانخ، فما هو مفيد لنا نكرهه، ولكن هل يجوز أن تعيش حياة رغدة دون شقاء بدرجة معينة؟ ذق العلقم حتى تنعم وتذكر أن العمر أقصر من أن تضيعه على التجمل. وما تفلح إلا لنفسك. هذا ليس طموحا بل غياب للقناعة والرضا.
يُشتق من هذا النوع عشاق المسمى -وللتقريب- سأستعين بجملة د. أحمد خالد توفيق: (إن شعرك جيد، ولكن ماذا تريد أن تقول للناس في شعرك غير إنك شاعر؟)
نما عدد أنصاف المبدعين بشكل يدعو للقلق وأصبح في كل مهنة إبداعية فائض عمالة. الكتّاب مثلا أكثر من القرّاء في مصر. لا غضاضة طبعا في أن يعبر الكاتب عن شيء يريد أن يقوله، لكن معظم كتاباتهم متشابهة تفتقد للشخصية ومستواها الأدبي متدني ويبعث على الحرج.
اكتشفت أن 70% من أصدقائي كتّاب، وحينها قلت لصديقي ساخرا: (علينا أن نجعل للكتابة كلية ذات تنسيق عال لتكبح جموح الطليعة الفائر).
تتجلى صفات عشاق المسمى في ممارسات أخرى غير مهنية، فمنهم من يرتبط لمجرد الارتباط ويغض الطرف عن مستقبل العلاقة، أو الطرف الآخر في العلاقة. ومنهم من يذهب ويسافر لأماكن لا يحبها فقط للتظاهر… إلخ. أظن أن الفكرة وصلت.
تتضح هذه المعضلة في فترة الشباب، وبما أن شباب العمر يتميز بالتنوع والشذوذ، فتتعدد الخيارات بما لا يتوافق مع الرغبات فنكبت أو نفرغ طاقتنا فيما ليس لنا فيه خير. فيوجد الانفعال دون مقصد والإرادة دون طريق ممهد -والطريق دائما غير ممهد، فينبغي أن نحدد في أي طريق يجب أن نسير أولا.
وأخيرا، رفقا بصحتنا ولا تغروا أحدا بنفسه.