يلتف الأطفال حول طنط إعتدال ليستكملوا تشتيتها بعد يوم شاق مجهد من تعليق الزينة وعمل التورتة لينهالوا عليها بالأسئلة:
أنا عاوز حته من التورته
– من غير ما تطلب هتاخد.
وأنا يا طنط هاطفي الشمع.
– ماينفعش لإن ده حق صاحب عيد الميلاد.
وأنا يا خالتو هاقطع التورته.
– لا لإنك ممكن تعور نفسك.
أنا عاوز ماما.. يا مامااااا.
– ماما هناك أهيه يا حبيبي.
ينفع أدي له هديته دلوقتي يا طنط.
– إنت تعمل إللي إنت عاوزه.
حُب الكريزة:
ذلك الطفل الذي ترك عيد الميلاد بكل تفاصيله وشرع يهرول نحو التورته ليحوز القطعة التي تعلوها كريزة حمراء صناعية لا لشيء إلا ليلتهم الكريزة. ثم اكتشف أن طعمها لا علاقة له بشكلها وأنها صناعية مقززة. رغم أنها إن وضعت في برطمان حنضل لجعلته عسلا أسود من شدة سكريتها، لكنها تظل شيء مقزز.
أنا عاوز دي
خدها يا حبيبي
دي مقرفه قوي
خلاص تفها
لا حاكلها برضه. هه هم.
كبر ذلك الطفل ورغم ما عاناه من تضريس وتسوس لأسنانه وتجربة مريرة بمذاق يجزع النفس إلا أنه لم يتعظ أبدا وظل ينتظر دوما عيد الميلاد ليهرع نحو التورته ويستحوذ على الكرة الحمراء جميلة المنظر ربما يجدها مختلفة هذه المرة. وذلك ما أطلق عليه آينشتاين الغباء المركب حين وصفه بأنه إعادة التجربة بحذافيرها وانتظار نتائج مغايرة.
لم يتغير سلوك ذلك الطفل الطماع الآخذ بالمظاهر سطحي الفكر. لقد زادته السنين طمعا وظل منخدعا بالمظاهر دوما. حين تحاور وصديقه يوما:
ذلك المرشح يبدو متدينا بلحيته وسوف أنتخبه.
إنه ضلالي أفاق وتاجر دين.
وذلك يبدو وقورا في حُلته العسكرية.
إنه تاجر وطنية نصاب.
رهاب الشموع:
طفل آخر كان جُل تركيزه أن يطفئ الشموع جميعها بنفسه. رغم أنه يعلم أن هناك شخص سوف يقوم بذلك وتلك مهمته، وانقطعت أنفاسه حين حاول، فقد تسلق الأكتاف وتشقلب تحت الأرجل وانحنى تحت الناس، إنه فقط يريد ذلك النوع من الاستقرار حين يتم فتح الأضواء. يخاف التغيير المتمثل حاليا في الظلام وإطفاء الأنوار مؤقتا ولو لبرهة. يحلم بأن يظل كل شيء على طبيعته التي اعتادها خلال سنوات عمره القليلة مهما كانت معاناته خلال ما ألفه. حتى وإن كانت الشموع تضفي نوعا من البهجة أو الرومانسية ولو لمدة ثمانية عشر ثانية أو تمثل مرحلة انتقالية تعبِر عن مرور عام جديد أو تنقله لعهد أفضل.
أنا أنا أنا
– حاسب يا حبيبي
أنا أطفي أنا أنا
– طيب بس حاسب رجلي
إفتحوا النور بقى
– ما تصبر شويه يا إبني وتعيش اللحظة.
لم يتغير سلوك ذلك الطفل الخائف الرعديد حين عمل موظفا ولا حينما رأُس الحكومة ولا حينما تشرد في الشوارع بلا عمل. ظل عدو الشموع حتى أوان انقطاع الكهرباء ولزوم وجود الشموع بديلا مؤقتا، وكان حليفا دائما للمعتاد وإن جلب الخراب المتعمد بقصد أو بدون.
كل اللي في الشارع قابضين ممولين.
يا عم هم لاقيين ياكلوا!
كلهم بأجندة وعملاء.
يا سيدي دول حتى مش تبع حزب.
يبقى عاوزين يخربوا البلد.
وهي كده مش خرابة يعني؟
ولع التقسيم:
طفل ثالث يظن دوما أنه العدل ذاته ويثق في قدرته على تقسيم التورتة، ويمسك السكين ليجرح نفسه ويفسد الحفل برائحة الدم أو الميكروكروم أو البيتادين، ويشغل الجميع بمأساته التي صنعها بنفسه وبكائه وصلفه، هذا إن لم يجرح أحد معه علاوة على إفساد التورتة.
– حاسب يا إبني عورت نفسك
لا ما إتعورتش
– أومال إيه ده؟ مش دم!
لا دي فراولة
– عورتني أنا كمان وبوظت هدومي.
ده كاتشب.
– بوظت اليوم كله يا إبني.
لم يتغير سلوك ذلك الطفل حين أصبح قاضيا مختل الموازيين ولا حين أصبح ضابطًا مختل نفسيا أو مسئولا عنجهيًا، وظل محتفظا باعتقاده الراسخ أنه الأجدر والأقدر على الإمساك بزمام الأمور دون الحاجة لمساعد أو مشورة، متوهما بأهمية استحواذه على السلاح لزوما للسيطرة والقيادة لاحقا.
صدقوني أنا أذكى إخوتي.. إسمعوني.
– إنت فاهم معنى كلامك ده!
أعي تماما ما أقول ولا أسمح بالجدال.
– ما يشكر في نفسه إلا إبليس.
لن أسمح لك بالتطرق لذات الموضوع أبدا.
– وإلا ماذا؟
السجن سيصبح منزلك.
مُتلازمة الفوتيه:
الطفل الرابع هو نموذج حي لحيوان الكسلان، هو ذلك الطفل الذي لا يحرك ساكنا حتى وإن سحبوه من ملابسه على الأرض، لا علاقة له بما يدور وهو حقيقة لا يدرك إن كان عيد ميلاد أم عزاء أم طهور ولا يهتم، ذلك لأن السيدة والدته عودته أن يأتيه الطبق حتى قدميه وكل ما عليه بذله من مجهود هو أن يضع قطعة التورتة في الشوكة ليلقمها في فمه لتمتصها معدته، ذلك إن لم يضعها له أحد في فمه، ونصحه أباه أن يسير بجوار الحائط ما إن تسنى له ذلك، إن لم يستطع السير بداخله.
– كل يا حبيب ماما
أكليني
– حاضر يا روح أمك يا عسل.
كبر ذلك الطفل وأصبح من شر الدواب الصُم العُمي البُكم الذين لا يفقهون وانتمى لحزب لا وجود له وسُمي بحزب الكنبة، ومازال على وضعه حتى التصقت مؤخرته بالكنبة وكأنه مشلول العقل لا يهتم سوى بالطعام والشراب كسائر الأنعام في الزريبة، سوف تجده مميزا بـ \”كرش\” دائما، من البيت للعمل ومن العمل لدار العبادة ربما لكن على سبيل الاعتياد، يكره كافة أشكال التواصل الاجتماعي، وينتمى للكنبة أكثر من أمه. قال يوما لصاحبه:
إنت دايما تجيب لنفسك الكلام.
– هو أنت مش جزء من المجتمع ده؟
آه بس وأنا مالي!
– طبعا مالك. أومال مال مين؟
ما أعرفش وماليش دعوة ولا عاوز أعرف.
– حمار صغير.
وماله. بس أعيش.
الطفل الحُر:
هذا الذي أقنع والديه بشراء هدية لصاحب عيد الميلاد، وفرح بإهدائها له أكثر من فرحة متلقيها، سأل والده عن ولاعة بحماس ليساهم في إشعال الشموع لإضفاء البهجة، وحينما حصل على طبقه سارع بإعطائه لأصغر طفل بالمكان، وأعطى الكريزة الحمراء لذلك الطفل النهم حين جاءت من نصيبه شخصيا، ولم يلوث حوله كباقي الأطفال بعشوائيتهم المعتادة، كما كان ينحني ليلتقط ما يسقط من الأطفال الآخرين، وحين أعطوه الكوكاكولا نظر لأمه ليحوز إذنها إن كان الوقت متاحا للشرب، وحينما إنتهى جلس مهذبا.
حتى موعد الرحيل.
– مش ناقصك حاجه يا حبيبي؟
لأ شكرا يا طنط.
كبر ذلك الطفل وكبر معه الإيثار وفضائل أخرى لم تكن موجودة في أطفال جيله الآخرين، اكتسب الصبر مع الأيام، استوعب معنى الكرامة والعدالة وأصبح حرا يدرك جوانب الحياة زاهدا مترفعا عن الصغائر، مضحيا من أجل غيره يبدي المصلحة العامة على مصالحه الشخصية.
وتساءل عنه الرفاق:
هو فين اليومين دول؟ تعرف!
– آه عارف مكانه.
طب ما تاخدني ونروح نزوره. ممكن؟
– آه ممكن بس بمواعيد محددة.
ليه يعني! هو بقى سفير ولا إيه؟
– ياريت، هو بقى سفير جيله فعلا.
فين بقى إن شاء الله؟
– في السجن.
لم تنقطع أعياد الميلاد.. ياللا حالا بالا بالا حيوا أبو الفصاد.. هايكون عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد، فليحيا أبو الفصاد.. هييييه.
لكن أمًا ما كانت تجلس وحدها تبكي إنتظار عودة ابنها بعد سنوات من الجور، رغم قرار النيابة بإخلاء سبيله.