في أيام اكتئابي، لا أقوى على النظر في أية مرآة. أتحاشى النظر للأسطح المصقولة بوجه عام، فأنا لا أريد أن أرى كم أنا قبيحة، أو بمعنى أدق لا أريد أن أرى وجهي، فأظنه قبيحًا، لأن كل الأشياء قبيحة في عيني الآن.
أفكر في سذاجتي وأنا أشاهد إعلان \”لو بصينا في المراية\” بنسخته الأولى التي تلوم المدرس والممرضة والتاجر الجشع. تدور في رأسي أسئلة وجودية من نوعية: هل المعلم إذا تقاضى راتبًا آدميًا سيستمر في إعطاء الدروس الخصوصية؟ هل التاجر الجشع إذا وجد قانونا رادعا سيستمر في الاحتكار؟ والأهم، لماذا يريدون منا النظر في المرآة؟
إذا نظر طفل مصري في المرآة، سيجد طفلًا بائسًا لا يتلقى تعليمًا جيدًا حتى وإن أنفق عليه والداه الآلاف، سيرى طفلًا مصابًا بالضعف العام من سوء جودة الغذاء. وإذا نظر شاب لتلك المرآة الكاشفة، فلن يرى نفقا بنهايته نور، لن يرى شيئًا من الأساس، فالمستقبل في مصر لا أحد يعرف إن كان سيأتي أم لا.
أما كبار السن، فجل أملهم أن يموتوا دون صراع مع المرض أو مرارة الاحتياج المادي والمعنوي.
إذا نظرنا في المرآة بتمعن سندرك أننا نعيش بمكان ما وليس دولة، فمصر هي مكان، لكن لا يمكن أن يصنف كدولة، فالدول عادة ما يكون لها نظام حكم، سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ودستور وقوانين.
فإذا نظرنا لنظام الحكم المصري، سنجد أن الناس يتحدثون عن رئيس الجمهورية كما يتحدثون عن البقال اللي في أول الشارع، بمبدأ اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش. والراجل وقف معانا ولازم نقف معاه، وكأن وظيفة رئيس الجمهورية أن يعطينا بضاعة فاسدة كالبقال، وندفع ثمنها صاغرين، لأن العشرة ماتهونش إلا على ولاد الحرام وإحنا نعرف الأصول.
أما بخصوص السلطة، فلا فرق بين سلطة و\”سلاطة\” سوى ألف، وعندي يا سيدي الألف دي.
فوضى عارمة وتداخل بين السلطات، السلطة التشريعية تلغي أحكام القضاء، والسلطة التنفيذية تلعب بالجميع الكرة. نظام السلطات في مصر أشبه بطبق أرز بالبسلة والسمك والجاتوه، أو كما يقول المثل \”سمك لبن تمر هندي\”، ولو أن السمك لبن تمر هندي مستساغ أكثر مما نراه يوميًا في مصر من فشل.
أما الدستور والقانون، فلا أحد يحترمهما، ولا حتى من كتبهما.
من هو المقصود بـ \”لو بصينا في المراية\” التي تتكرر في الإعلان؟
لماذا لا ينظر المسؤولون في المراية، ويتأكدون أن نظرات الخزي هم الأحق بها أكثر من سواهم. وأن تحميل المواطن خطأ وفساد المنظومة فوق خطأه، ظلم مضاعف. لماذا لا ينظر في المراية من أضر الاقتصاد العام حقيقة، من جعل سعر العملة الوطنية في الأرض، من يطالبنا بالتحمل ولا يتحمل معنا، من قرر أن يبيع جزءا من الوطن وتقاضى الثمن، مصدعًا رؤوسنا بقيم الحق والعدل، وكأننا مازلنا عند البقال اللي في أول شارعنا، يغش الميزان وهو يصلي على رسول الله!