محمد عدلي يكتب: "كفر دلهاب".. هل يستطيع صناع الدراما المصرية تقديم الرعب؟

منذ سنوات وصناع الدراما المصرية يحاولون محاكاة السينما الأميركية في تقديم أفلام الرعب التي تحتاج لإمكانيات إنتاجية وتكنولوجية ضخمة وموهبة حقيقية ودراسات تحليلية لنفسية المشاهد لتقديم ما يمكن أن يتأثر به.

معظم التجارب المصرية اعتمدت على التراث الشعبي من حكايات الجان والسحر، فظهرت لنا تجارب مثل فيلم \”التعويذة\” بطولة محمود ياسين ويسرا و\”الإنس والجن\” بطولة عادل إمام ويسرا، ولكن ضعف الإمكانيات والخدع البصرية وقتها جعلت هذه الأعمال بمرور الوقت مضحكة لا ترتقي حتى لرعب الأطفال.

ظهرت مشاهد الرعب مقززة أكثر منها مرعبة ولا اعلم كيف اقتنع صناع فيلم \”الإنس والجن\” أن تلون وجه عادل إمام بأكثر من لون به شئ من الرعب!

حققت السينما العالمية في السنوات الأخيرة تقدما كبيرا في هذه النوعية من أفلام الرعب والتشويق من حيث طرق التنفيذ والواقعية، أفلام مثل final destination بأجزائه وthe woman in black وthe conjuring وevil dead، في حين أن التجربة المصرية مثل فيلم \”الكامب\” المقتبس الذي تم تقديمه ٢٠٠٨ من إخراج عبد العزيز حشاد لم يحظى بأي نجاح يذكر وكذلك فيلم \”وردة\” الذي يحاكي الفيلم العالمي paranormal activity، وهو ما جعل صناع الدراما يبتعدون عن هذه المنطقة، حتى قرر الممثل الشاب يوسف الشريف والذي حقق نجاحات في السنوات الماضية على مستوى نسب المشاهدة تقديم مسلسل \”كفر دلهاب\” إخراج أحمد نادر جلال وتأليف عمرو سمير عاطف، وهو مسلسل يصنف على أنه من دراما رعب وتشويق وتدور أحداثه في عصر قديم حول وباء اجتاح كفر دلهاب بعد قتل فتاة تسمى \”ريحانة\” ويبدأ الطبيب الذي يجسد دوره الشريف في البحث عن الحقيقة.
يعتبر السيناريست عمرو سمير عاطف من أقوى كتاب جيله وله الفضل في انتشار مسلسلات \”السيت كوم\” أو مسلسلات الاسكتشات في مصر وله رصيد جيد في دراما التشويق والإثارة حيث قدم مع يوسف الشريف ثلاثة أعمال قبل \”كفر دلهاب\” قدما فيهم الإثارة بشكل جيد لكن تقديم الرعب لا يعتمد فقط على تعقيد الأحداث وبطئها والأصوات الغامضة والتصوير الليلي فقط، تحتاج أيضا لتقديم مبررات قوية لأفعال الأبطال والأحداث، وهو ما لم يحدث بشكل كاف حتى الآن، كما أن اللهجة العامية المستخدمة أضرت بالعمل أكثر ما قدمت له، عندما تسمع صاحب البطل يقول له \”شكل الزهر هيلعب ولا إيه\” تشعر وأن المسلسل بطولة الفنان الشعبي أحمد شيبة وليس مسلسلا تدور أحداثه في العصور القديمة ويرتدي أبطاله العباءات ويسكنون في بيوت من الرمال والطين. ولو افترضنا أن صناع العمل يقدمون الفانتازيا -الدراما غير المنطقية- حتى فكرة تقديم الفانتازيا يجب أن تتوافر بها عدة عناصر أخرى غير اللغة، عكس المسلسل هنا والذي تدور أحداثه في ترتيب واقعي وأحداث وقعت في الماضي يحاول البطل أن يجد مبررا لها.

كما أن القصة والتي تنسب على تتر المسلسل لبطل العمل يوسف الشريف تشبه كثيرا المسلسل البريطاني \”شارلوك هولمز\” الباحث في قضايا القتل والغموض الذي قٌدم في ٢٠١٠.

نجح كل من المخرج أحمد نادر جلال ومدير التصوير هيثم حسني في خلق صورة تقبض القلب وتجعلك تنتظر ما يحدث في قلق وترقب وساعدهما في ذلك موسيقى عمرو إسماعيل وأيضا يحسب لمخرج العمل الاستعانة بشركة مؤثرات بصرية قوية والتدقيق والاهتمام بالخدع البصرية والتي تفوقت على كل ما سبقها من أعمال رعب في مصر، لكن يحسب على المخرج -من وجهة نظري- عدم الاهتمام باختيار بعض الأدوار المساعدة في المسلسل وعلى رأسهم صديق البطل الممثل (محمد طلبة).

مقومات الشخصية تستدعي شخصا خفيف الظل وقليل الجرأة، لكنها تستدعي أيضا ممثلا سريعا في رد فعله لا يمثل الخوف والقلق بسطحية واضحة.

ديكور وتصميمات ملابس \”كفر دلهاب\” اعاد لذهني نفس تركيبة مسلسل (العهد) الذي تم عرضه رمضان قبل الماضي.
بطل العمل الممثل \”يوسف الشريف \” ممثل مجتهد من الدرجة الأولى، يتعب كل عام لاختيار موضوع مختلف مثير يضعه في القمة في وجود أسماء كبيرة تقدم دراما كل عام، رغم ابتعاده عن السينما منذ فيلم \”العالمي\” إلا أنه استطاع تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة من خلال أعماله الرمضانية، شارك في عدة أعمال جماعية، لكنه فضل السنوات الأخيرة أن يكون رقم واحد وسط أصدقاء وأعداء البطل حسب القصة التي تقدم.

الاجتهاد يخلق النجاح ولكنه لا يخلق أو يزيد الموهبة، يوسف الشريف من الممثلين أصحاب \”الريآكشن الواحد\” الذي يقدم دور الطبيب في العصر القديم بنفس ردود أفعال ونظرات المحامي في عصرنا الحالي، وأيضا لن تجد اختلافا كبيرا عندما قدم القاتل المحترف في مسلسل العام الماضي \”القيصر\”.. مجموعة من النظرات والسكوت غير المبرر وسط الجمل الحوارية هي معظم أدوات الشريف في تقديم أدواره.

النجاح الجماهيري مهم جدا خصوصا لشرطة الانتاج والقنوات التي تسعى لاسترداد ما تدفع من ملايين، ولكن مهم أيضا تطوير الأدوات التي يملكها الممثل في كل عام لأن الرهان على الموضوع والإبهار لا يدوم.

تجارب التشويق والرعب في الدراما والسينما المصرية قليلة جدا لكن \”كفر دلهاب\” هذا العام رغم إيقاعه البطيء قدم نموذجا جيدا في عدم الاستخفاف بعقل المشاهد في تقديم مشاهد متقنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top