تقترب عشرينيات عمرك من نهايتها. في البداية تنكر ذلك، تقول إنه باقي من الزمن سنتان أو سنة. لكن الوقت الباقي يمر ولا تعد المقاوحة مجدية. في النهاية تعترف: لقد أقبلت الثلاثون. ستتذكر حينها أول مرة شاهدت رقم 2 في خانة العشرات بجانب سنك -وقتها شعرت بشيء غريب- لقد قضيت عمرك كله قبلها ورقم 1 هو المحتل للجزء الأيسر من قيمة عمرك. أنت لم تختلف في شيء، لا تشعر أنك أصبحت أكبر، إنه مجرد تغيير في رسم الجزء الأيسر للرقم الذي يشير لسنك. الأمر ليس كذلك هذه المرة، فالفارق في رسم الرقم ليس بكبير، لكن إحساسك هذه المرة هو أنك كبرت، أنك أصبحت منهكا بالفعل.
أنت نظريًا لازلت شابًا، فلماذا تشعر بإنهاك. ربما السبب الأهم هو كم الأحلام التي تحطمت خلال رحلتك في أرض العشرينيات. ليست فقط الأحلام التي لم تحققها، بل الأحلام التي اختنقت داخلك، التي فقدت منطقيتها ففقدت الهواء الذي يُحييها. حلمك بأن تكون لاعب كرة، ذلك الحلم الذي فقد منطقيته عند إتمامك العشرين ومات. حلمك بالغناء أو التمثيل الذي أكتشفت بعد العشرين أنك لا تملك المؤهلات أو الموهبة اللازمة له. ماذا عن الكلية، ربما فقدت حلمك بدخول الكلية التي تريدها. أما إذا التحقت بالكلية التي رغبت فبعد أن دخلتها في الواقع هل لازلت تراها حلمًا أما تراه كابوسا؟ هل معطف الطب الأبيض له هذا الرونق حقًا؟ هل مسطرة حرف الـ T ممتعة في حملها كما كنت تتصور؟
أنت تودع العشرينات وقد تخففت من حمل كثير من الأحلام، لكنك تستبدلها بالكثير من كوابيس الواقع التي تحملها معك إلى الثلاثينات. مسئولية أسرة قد أصبحت أنت المسئول الأول بها. مصاريف أبناء، مسكن ملبس، أسعار تزداد، محاولات يائسة للمحافظة على مستوى معيشتك الذي اعتدته رغم ما يحدث إقتصاديًا.
ما هي أحلامك الآن؟ ربما خروجة مع أصدقائك كما كان فيما سبق، ربما التسكع وحدك في الشارع بلا هدف وبلا التزامات، ربما مباراة كرة تلعبها كاملة دون أن تشعر بالتعب بعد دقائق من البداية. إذن أين أحلامك الكبرى بأن تكون الأعظم والأقوى والأشهر والأغنى؟ لقد تركتها فيما تركته في محطة العشرينات.
في العشرينات تكون قيمة السنين أقل في عينك. فأنت من الناحية النظرية لديك رصيد من السنين ربما أكثر مما عشته يمكن فيه تعويض ما فاتك. عندما تكون في الثانية والعشرين تقول إنك لو بقيت حتى الستين فإنك ستكون قد عشت ما يزيد عن ضعف عمرك، أي أنك يمكنك تعويض عمرك الفائت بعمرك القادم. دائما الستين هو رقم النهاية في حسابات العمر. في العشرينات تكون لازلت في الثلث الأول من العمر أي أن أمامك ضعف ما عشته وهذا يجعل التفاؤل منطقيًا ومبررًا. لكن حين تصل لنهاية العشرينات تدرك أن الفرصة الآن أصبحت نسبتها تقل حتى نظريًا. كل عام يمر هناك إحتمال أن تحيا مثله مرة أخرى أو لا تفعل. في سن الثلاثين هناك إحتمالية خمسون بالمئة أن تحياه ثلاثين سنة أخرى وتصل للستين، لكن ماذا عن الخمس وثلاثين؟ هل تبدو لك إحتمالات أن تعيش خمسة وثلاثين سنة أخرى وتصل للسبعين كبيرة بنفس القدر؟
إذن ماذا عليك أن تفعل وأنت تودع العشرينات؟ إن كنت تريد بعض النصائح عن حب الحياة والطاقة الإيجابية فالتنمية البشرية في كل مكان ولن أضيف لك شيئًا في هذا القبيل. ما أستطيع أن أقوله لك أن تتوقف وتودع العشرينات الوداع الذي يليق بها. أن تتذكر اللحظات الجميلة التي عشتها فيها ولو استطعت أن تدونها فافعل. أما عن لحظات الألم في عشريناتك فلتتذكرها ولتتذكر مَن كان السبب في هذه اللحظات، سواء كان شخصا أو ظرفا من الظروف أو حتى المجتمع. ثم عليك أن تخلص النية وتقسم على الإنتقام خلال ثلاثيناتك ممن سبب ألمًا لك في العشرينات. لا تقلق، الإنتقام أحيانا يكون قوة دافعة للأمام، وعلى أي حال فأنت لن تنفذ منها شيئا لأن مشاكل الثلاثينات ستُلهيك.
إلى عشريناتي. التي تحول فيها حلم الكلية إلى كابوس. وتحولت هواية الكتابة إلى هدف لِما بقي من العمر. التي ارتفعت فيها الآمال والأحلام الجماعية إلى عنان السماء، ثم خُسف بتلك الأحلام الأرض بعدها. إلى عشر سنوات من الأحلام الكبرى والإحباطات الكبرى. وداعًا.