الثابت أن ظاهرة تعدد الزوجات موجودة منذ عصور قديمة ومن قبل نزول الديانات السماوية، ولا نستطيع أن نصفها بسوء الفعل، حيث أقدم عليه عدد من الأنبياء، فخليل الله إبراهيم عليه السلام تزوج من سارة، ثم جمع عليها هاجر، وكذا عدّد داود وسليمان فى زيجاتهم بأعداد متفاوتة.
والتعدد لم تحرمه الديانات، بينما قننت وجوده فأقرت به اليهودية وبعض الطوائف المسيحية، أما عن الحكم الشرعى فى الاسلام فقد أباح للرجل الجمع بين أربع زيجات وما تيسر له من ملك اليمين على أن يعدل بينهن ثم اختتمت الآية المعروفة بأنه لن يستطيع أن يعدل، وهو شرط موقوف كالوضوء للصلاة، ومن أجل ذلك الشرط يتبارى الرجال ويجتهدوا اجتهادا مبالغا فيه فى وضع المبررات والثغرات بأن العدل يكمن فى المسكن والإنفاق والطواف عليهن نفس عدد الايام، لكن هوى القلب خارج عن نطاق السيطرة والتحكم.
جزء كبير من تقبل العقول البشرية للأفكار يخضع للعادات والتقاليد المتوارثة والقوانين بعيدا عن الأحكام الدينية، ويحيرينى حقا لماذا يذهب الرجال للبحث عن مزايا ونوافع لفكرة تعدد الزوجات لإقناع غيرهم بها، فالمؤمن بالحلال والحرام لا أظنه يحتاج إلى أدلة ومبررات، فليأخذ الحلال ويترك الحرام بدون فلسفة لأن الأمور تتغير والأحوال تتبدل وما تجد له مبررا اليوم، من الجائز ألا يصح غدا ويمكن الرد عليه.
ولكن من باب حب أن الله يحب أن تؤتى رخصة دي بالذات يتزعم أولئك مبررات للتعدد:
الحفاظ على النسل:
يقال إن من الفوائد العظيمة للتعدد كثرة النسل، فيتباهى بنا يوم القيامة، متناسين أن كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، ولأن المرأة الواحدة مدة حملها تسعة أشهر ثم مدة الرضاعة وكذا خصوبتها محصورة فى عدد من السنوات، فيكون الأجدر أن يتزوج الرجل الواحد أكثر من امرأة ليسجل فى تاريخ إنجازاته مساهمته بعدد من الأطفال فى الحفاظ على الجنس البشرى. كم هو عظيم دور الرجال المنوط به فعلا. يحق لنا هذا أن نذكر المقولة الشعبية: \”العدد في اللمون\”، وهى تقال عندما يريد الشخص الحصول على عدد كبير من سلعة معينة مقابل ثمن مادي بخس، وماذا لو اهتمت الدولة بالتعليم والصحة، ألن يرفع ذلك من عدد المواليد الأصحاء وتنخفض نسبة الوفيات ويساهم الفرد الواحد المثقف فى إسعاد النسل أكثر من عشرة كغثاء السيل من معدومى الدخل والثقافة؟
ناهيك عن الجهد المطلوب لرعاية هذا النسل والمنافسة بين النساء للحصول على السهم الأكبر من النسل عددا ونوعا، ثم منازعات الاخوه على مكتسبات الدنيا فى حياة الوالد والميراث بعد وفاته.
ومع حصر دور المرأة الوحيد فى وعاء لحمل الأطفال، فلماذا يغضبون إذن من فكرة السينجل ماذر التى تساهم بدورها فى الحفاظ على النسل!
الإحصائيات:
دائما أبدا تطل علينا إحصائيات مجهولة المصدر أن عدد الرجال أقل من عدد النساء، فلابد أن يتزوج الرجل بأكثر من امرأة ليقوم على رعايتها ويوفر لها المسكن والمعيشة، ويحصّنها لامؤاخذة من الشهوات.
من الجائز أنه فى زمان بعيد بعيد كان الرجل يأتي بقوت يومه من الصيد والزراعة فيخرج فى أجواء صعبة أو فى زمان الحروب ومن الجائز أيضا أنه فى ذلك الزمان البعيد البعيد كانت المرأة برضه قليلة الحيلة تحتاج الرجل ليأتي لها بكسرة الخبز، ولكننا الآن لسنا فى زمان بعيد بعيد، الرجال يفترشون المقاهى لتشجيع البرسا وعددهم يسد عين الشمس ومنهم من يأتي الشهوات عادى ومنهم من لا يوفر لزوجته الأولى لا مسكن ولا معيشة ومجرجرها فى المحاكم. وكثير من النساء تعمل وتكدح وتعيل أسرة كاملة، يبقى إيه الداعى؟ اللى عنده بيت يادوب مكفيه إن كفاه ويعمل بلقمته.
الشهوة:
من المبررات اللطيفة حقا لإقناعك بحكم التعدد، أن البعض من الرجال شديد الشهوة لا تكفيه امرأة واحدة. وهنا لا تذكر الإحصائيات كمية المنشطات التى يتم تداولها فى العلن أو خلسة والهلع الذى يجتاح الفكر الرجولى لو أخفق مرة فى إقامة علاقة مع زوجته، انشغال الرجل العربى بالأمور الجنسية وجعلها معيارا لفحولته يؤكد أن الشهوة بعافية حبتين ويرصد جهلا فى الثقافة الجنسية، ومن ثم، أكم من قضايا خلع تخاف فيها المرأة ألا تقيم حدود الله.
المرض والعقم:
ماذا لو أن المرأة عقيمة أو أصابها مرض أو نكدية أو ببوز أو عصبية أو بتحب المحشى؟! يحق هنا للرجل أن يتزوج بأخرى بدلا من أن ينحرف والعياذ بالله، وفى الواقع معظم ما تصاب به المرأة من تقلبات مزاجية يتشكل من جراء شيلة هم العيال والبيت والمسؤولية على عاتقها أو الإهمال لها غفلة أو عنوة، وهنا يحق للرجل النزوات والزيجات علشان لم يقابل الهوى على رمش عيون الزوجة، وماذا لو أنعكست الآية؟ يصبح الحل، بنت الأصول تصبر وتحتسب.
المصالح العائلية:
وتقول الأسطورة إن العم يتحرج فى الدخول على أرملة أخيه ليرعاها أو يرعى أولادها، أقوال مأثورة والله! ما شكل الرعاية التى يتحرج وهو بيقدمها للأرملة؟ فلننزع ذلك الإحراج عنه وليقوم بإرسال الرعاية مع زوجته أو مع البواب ولا داعى لأن يضع نفسه فى هذا الحرج، ولا المقصد هو أن لا يتم الاقتراب من الأرملة الطروب فينعم بها غانم أو يتفرق الميراث بين مقدمي الرعاية؟
ماذا لو كان تعدد الأزواج مباحا؟
لا أؤمن بأن هناك جنسا بعينه يستطيع أفراده أن يشعروا بمشاعر الحب لأكثر من شخص، وأميل إلى أنها صفات لها درجات متفاوتة بين أفراد الجنس الواحد، فهناك من الرجال من لا يستطيع أن يحب إلا امرأة واحده وهناك من يستطيع أن يكون متعدد المحبة، فواحدة لحسبها والأخرى لجمالها والثالثة لأنها أنجبت أبناءه والرابعة لإتقانها صينية المكرونة بالبشاميل، وهذا النوع المتعدد من الرجال ندعو الله أن يعينه لأنه حرفيا يا قادر علشان يجمع العدد ده ويتحكم فيه بدون مشاكل، يا فاجر يتقن أساليب اللوع والمراوغة فيخفى أكثر مما يبدو منه. وهكذا وارد أن نجد من النساء من تستطيع أن تحب أكثر من رجل لأغراض شتى أحدهم دمه خفيف والآخر لحيته تجنن وهناك الغنى الكريم، ولكى لا تسقط تلك المرأة فى الخطيئة ستجمع بينهم وأمرها لله، وستقيم العدل، فلكل منهم يوم بليلة أما الهوى فهو خارج عن إرادتها، ويمضي رجل منهم وحيدا على فراشه يفكر أن زوجته بين أحضان رجل آخر ويتقبل ذلك الوضع ويرتضيه ويصبر لأنه حلال، فلا يغضب أو يثور اعتراضا على ما كتبه الله، وعندما تحمل تلك المرأة، نقوم بتحليل الـ DNA لنعرف والد الطفل. وفى تلك الحالة سيتبارى الرجلان فى تنفيذ المهام اليومية التى يتقاعس عنها إحداهما عندما كان وحيدا على الحجر، وستجد المرأة منافسة شريفة فى الذوق والإتيكيت واحترامها والنظافة الشخصية. وهنا سنجد حلا للزوجة الصغيرة التى تزوجت من رجل ثم أصابه المرض فلا يستطيع القيام بواجباته الزوجية، أو هرم فزهد عنها، أو بخل فقصر فى الإنفاق، أو قلب بوزه فأصبح نكديا، وكله بما يرضى الله!
نفس الإحساس الذى شعرت به وأنت تقرأ السطور الفائتة، تشعر به تلك التى تجد نفسها زوجه تتقاسم أخريات فى زوجها، نفس الألم والسؤال يطوف ذهنها تهاب أن ينطق به لسانها: \”ألا يعلم الله أن ذلك يؤلم، أيرضى الله بجرح المشاعر وكسرة القلوب، أهذا هو العدل؟\”