لا أزال أذكر ذهولي وفزعي أمام شاشة التلفزيون بعد انتهاء مباراة الأهلي والمصري التي لُعبت في بورسعيد مساء يوم الأربعاء 1 فبراير 2012 (أول ذكرى لموقعة الجمل التي وقعت بميدان التحرير)، كنت أردد بفزع: \”لماذا، لماذا؟\” وأنا أشاهد مجموعات منظمة تجري بهمجية نحو جمهور النادي الأهلي لتبدأ مذبحة كأبشع ما سجل التاريخ، بدون أي سبب، أخذت أحملق في الشاشة متمنيا أن أخترقها لأفهم ما يحدث، لم يكن في ذهني أبدا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
٧٤ شهيدا من الشباب! هذا ما تمخضت عنه المذبحة، ما السبب؟! لا تسمع أي رد، الملابسات كلها تقول إن المجزرة مدبرة، الأبواب أقفلت على الشباب، الأنوار أقفلت، الضرب لم يكن إلا في مقتل، وكل الشعب يتفرج على الهواء مباشرة.
تخيل معي مشاعر اللحظات الأخيرة للطفل أنس محيي الدين (15) عام الذي سافر إلى بورسعيد ليشجع فريق الكرة الذي يحبه، تخيل مشاعره وهو يرى الهرج يحدث أمامه، ثم يتفاجأ بهجوم ذئاب بشرية لتنهشه هو وأصدقائه، يحاول الهروب إلى البوابة، ولكنه يجدها (ملحومة)! الصراخ يحيط به من كل جانب، الظلام خيم بإنطفاء الأنوار، لا يعلم ماذا ينتظره، رفاقه يذبحون أمامه بدون أن يفهم ماذا يحدث، ليحين دوره في المذبحة!
تخيل معي مشاعر أهلهم، أم وأب يجلسان أمام التلفاز، يشاهدان المباراة يتفاجئان بالهجوم على المدرجات التي يعرفان أن ابنهم جالس بها، النور يطفأ ثم تتوالى أرقام حالات الوفيات، أرقام وأرقام تتزايد بشكل مرعب وغير مفهوم، أين ابني؟ ما الذي حدث له؟ الأم تتشبث برقبة الأب وتصرخ: أريد ابني الآن، الأب في حالة من الصدمة المختلطة بالعجز وعدم الفهم، يقول في نفسه لقد أرسلت ابني ليشاهد مباراة ولم أرسله إلى معركة حربية، ماذا يحدث؟
وقعت هذه الكارثة أثناء حكم المجلس العسكري، ماذا كانوا يقصدون بهذه المجزرة العلنية المذاعة على الهواء مباشرة؟ ما الرسالة التي لم نفهمها إلا مؤخرا؟ أظن أنهم كانوا يقولون لنا إن الدم عندنا رخيص، لا تعولوا كثيرا على مصريتنا أو حتى إنسانيتنا، نحن لا ننظر إليكم إلا كما ينظر السيد المالك لعبيده، إن شاء قتلهم وإن شاء تركهم أحياء، وظيفتكم الوحيدة في الحياة هي خدمتنا، حكمكم حق لنا إن نازعتمونا إياه فلا حق لكم في الحياة، وهذا أمر لا نتحرج منه أو نخفيه، وها نحن نذبحكم علنا على رؤوس الأشهاد.
حاول البعض وقتها إلصاق التهمة في الجمهور البورسعيدي الذي يشجع فريق المصري ولكن دعني أخبرك أن هذا الفرض مرفوض تماما، وليس هذا من باب أن تلك الوحشية والحرفية التي نفذت بها المجزرة لا تنتج عن مجرد مناوشات بين الجماهير فقط، ولكن دعوني أخبركم أن فريق المصري البورسعيدي خرج منتصرا من هذه المباراة، فلا يوجد حتى مبرر لغضب الجماهير الذي حاولوا أن يلصقوا به هذه المجزرة.
رحم الله شهداء مجزرة بورسعيد وما تلاها من مجازر، وانتقم ممن قتلهم.