د. محمد شوشان يكتب: هذا ما جنته.. دماغنا

من الذي يقول إن الثورة لم تنجح؟
الثورة أطاحت بمبارك الذي استفحل واستفحلت دولته وأسرته وحاشيته التي توغلت كالسرطان في كل ركن من أركان الدولة الغلبانة المغلوبة على أمرها. خلعت الديكتاتور في عزه وصفوته وسروره ونظيفه وحبيبه العادلي، أذلت علائه واستباحت جماله.
نزعت من بين أنيابهم السلطة ثم أودعتها في يد الشعب، يقرر مصيره لأول مرة بحرية كاملة.
ثم أما ما حدث بعدها، فليس إلا محض إرادة هذا الشعب.
هذه هي الثورات، تخلع ظالما فاسدا مستبدا ثم تمنح سلطته لشعبه الحر يقرر مستقبل الدولة كما يشاء \”بدماغه\”، فمصير الدول لا تكتبه الثورات.
إنما الثورة لتفك قيود الشعب، وتمنحه قلما وسطورا ذهبية ليخطط بحرية كاملة مستقبله، وليكتب بيديه ما تفيض به رأسه.
فإن بالت دماغ الشعب على الورق، فما ذنب الثورة إذن؟!
مثل رجل مات أو قتل أو \”راح في ستين داهية\” وترك لذريته ثروة لا حصر لها، فإن كان أبناؤه حمقى، فسوف يفشلون ويتشاجرون ويتنازعون أمرهم بينهم، وقد يقتل بعضهم بعضا. قد يبدو أن الثروة هي سبب وكستهم، لكن الحقيقة، لا شيء أوكسهم إلا أنفسهم \”أفكارهم، فكرهم، تعليمهم المتدني، ثقافتهم الميح، تربيتهم المتسخة، مخهم التخين. إلخ) بإختصار شديد دماغهم آخرها كده.
وأما إن كانوا مثقفين ومتعلمين ومتحضرين، فحتما سوف يتقاسمون أمرهم بينهم بما يرضي الله \”ومحدش هيسمع لهم صوت\”

بعد استثناء سوريا التي لم تنجح فيها الثورة بعد في خلع الحاكم ولا العراق التي لم تقم فيها ثورة أصلا، وعلى سبيل المثال ستجد:

– الشعب الليبي والشعب اليمني كانت ثقافتهما متواضعة جدا فتخلفت اليمن وتخلفت ليبيا بعد ثورتيهما وسقطت الدولتان في مغبة الحروب الأهلية بغض النظر عن المؤامرات التي حيكت والتي قطعا زادت الطين بلة.
على العكس، ستجد الشعب التونسي الأفضل حالا، يمتلك من الثقافة ومن التعليم والوعي ما مكنه من العبور رغم كل العقبات والمؤامرات والفتن من ظلام الدكتاتورية إلى نور الديموقراطية \”التي ليس لها أنياب\”، حتى وإن بدا النور خافتا لفترة، فإن مستقبلهم سيصبح حتما مضيئا.
في مصر، ربنا ستر، كان لنا الحد الأدنى من التعليم والفكاكة والثقافة، لم نكن همجا غوغائيين مثل من تنازعوا أمرهم بينهم فقتلوا أنفسهم وخربوا ديارهم بعدما انزلقوا في حروب أهلية، لكننا أيضا مع الأسف لم نرق بعد لنكون مثل البني آدمين المحترمين المتحضرين الطبيعيين العاديين الديموقراطيين (اللى بياكلوا وبيشربوا وبيناموا وبيعملوا انتخابات رئاسية عادية ومجلس شعب طبيعي وعندهم لامؤاخذة معارضة وعندهم كمان \”دستووور\” بيطلعوه كده عادي لبعض لما حد لامؤاخذة يحاول يعمل حاجة مش ولابد يعني في الدرا)
كانت لنا نهاية ليست مرضية بالمرة، لكنها ليست كارثية على أي حال. نهاية على قد دماغنا، على قد تعليمنا.
رغم تلك النهاية ورغم أنوف المنافقين التافهين والمفسدين والحمقى، ستبقى يناير ثورة عظيمة، وسيخلد التاريخ سيرتها ما بقيت الأرض التي أنجبت ثوارها النبلاء.
سنحكي لأبنائنا عنها في كل ليلة وسيحكي أبناؤنا عن فتية آمنوا بحريتهم وعظمة بلادهم فزادهم ربهم إيمانا بأنفسهم، وزلزلوا بأصواتهم تماثيل عجول، قدم الضعاف خيرات بلادهم قرابين تحت أقدامها لسنين طويلة، كسروها وهدموا معابد الذل والانكسار على رؤوس زوارها الخانعين وخدامها المنافقين.
سنحكي عن من فرش أرض الميدان بعد أن خلع نعليه وسادة وشد لحاف برد ليالي يناير.
سنحكي عن دماء سالت وخضبت تراب التحرير في يوم الغضب.
عن عبرات أمهات ثكلى.
سنحكي عن المصابين.
وعن من انطفأت عيونهم بتلك الطلقات الغبية، ورغم ذلك لم يبرحوا الميدان، وظلوا مبصرين ناظرين لغد جميل.
سنحكي عن من نامت أعينهم وسكنت أنفاسهم للأبد، فأصبحوا أحياء عند ربهم يرزقون.
سنحكي ولن نكف أبدا، لأن يناير علمتنا الكلام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top