في قالب منمق تنقصه الخبرة جاء فيلم \”مولانا\” سيناريو وإخراج مجدي أحمد علي وحوار إبراهيم عيسى عن رواية الأخير الشهيرة، من اللحظة الأولى عمد صناع الفيلم إلى خلق عوالم جديدة تشعر بها تجتذبك حين تبدأ المشاهدة، بدايات خاطفة كان لابد لها أن تنتهي أسفًا كما هي طبيعة الحياة.
حاتم الشناوي:
في أميز أدوار عمرو سعد وأكثرها أهمية جاءت بطولته لـ\”مولانا\”، ذاك الدور العجيب الذي يشعرك بأنه القمر في ليلة التمام حين لا يسمح للنجوم بأن تلقي بضوئها إلى جانبه، لكن العجب ليس في أداء عمرو سعد الجيد بالطبع، العجب في بناء الشخصيات الأخرى المحيطة به، جاءت كلها –بلا إستثناء- مفرغة من مضمونها وكأنها المسوخ، رغم قدرة مؤديها الكبيرة على التمثيل حد الإبهار، إلا أن إرادة صناع الفيلم جاءت لتظهر \”مولانا\” بلا منازع أو منافس، بطل أوحد في سماء مظلمة لا معنى لبطولته.
وهنا تكمن مشكلة الفيلم الرئيسية، أراد إبراهيم عيسي في تجربته السينمائية عرض كافة آرائه وكأنه كاتب يضع أوزار روايته الأولى التي لن يستطيع الكتابة بعدها لفترة طويلة وربما للأبد، ترى مولانا وقد تقلب بين المعتزلة تارة والصوفية تارة، أحب الشيخ محمد رفعت حد الشغف وكره البخاري حد الغثيان، قاريء مرتل للقرآن الكريم ومقدم بارع للبرامج التليفزيونية، كان ينقصه فقط أن يكون كاتبًا ليكون إبراهيم عيسي ذاته ولكن في نسخة أخرى اسمها حاتم الشناوي.
السلفية.
تناول الفيلم معضلات السلفية، عندما عزل شيخ حاتم الشناوي من إمامة مسجده الذي يحوي قبور أجداده والذي يعتبر منبرًا هاما لجموع الصوفية في مصر، ليُستبدل بآخر جاءت به الدولة، سلفي كث اللحية مكفهر الوجه أجش الصوت يدعو إلى اعتزال البدع وعبادة القبور، لينتهي المطاف بحرق منزل شيخ مولانا من قبل جموع السلفيين الطامحة لإعلاء كلمة التوحيد في مفهومهما الوهابي.
كل ما سردته لك عن السلفية ممكن الحدوث ولا شك، يأتي المأزق في أن السيناريو خلا تمامًا من أي إرادة للسلفية، صورهم كعرائس الماريونت بين أصابع الدولة تقلبها كيفما شاءت، منزوعي الإرادة خائري القوي ينتظرون الأمر بالإمامة والخطابة والحرق دون أن يتناقشوا أو يستبينوا موقف قياداتهم من تلك الأوامر، ناهيك عن اختلاف السلفية ذاتها وتشعبها إلى عدة فرق لا تجتمع واحدة فيهم مع الأخرى إلا في المظهر.
الجانب الإنساني:
تناول الفيلم جانبًا إنسانيًا هامًا أعتقده أحسن ما تمت صياغته في هذا السيناريو البائس، بدءًا من ابن الشيخ حاتم الوحيد الذي قذف في أحد حمامات السباحة ليصاب بأضرار جسدية ونفسية بالغة تستدعي نقله للخارج لتلقي العلاج، ليصطلي الشيخ حاتم وزوجته بنيران فقد ابنهم الذي قد يشعرك كُتاب الفيلم أنه نساه ثم سرعان ما يعود فيتذكره، ليستبين لك مزج السلطة بالمال، قد تكون غنيًا جدًا بل وشهيرًا كمولانا، لكن ذلك لن يمنع أن تمتليء حياتك بالمنغصات التي تخوض صراعًا أبديًا مع مقومات حياتك المزدحمة، فيغلب كل منها جولة دون أن يكتب أحدها بطلًا، ومولانا في المنتصف حائر ربما يجد في عزلته علاجًا لهذا الصراع الذي التف بروحه، حتى كاد يلقي به شهيدًا في سبيل المجهول.
كما عرض الفيلم دور الأجهزة الأمنية الكلاسيكي على مر العصور في إيقاع الرجال أسرى نزواتهم، زجوا بفتاة جميلة ولعوب في طريق مولانا، لتسأله أحد الأسئلة المستفزة في برنامجه، ثم تدور رحى الصداقة بينهما، إلى أن يتم تصويره بصحبتها وقد تبادلا القبلات، حقيقة وقفت حائرا أمام هذا الأسلوب، من المفترض أن الفيلم أحداثه تدور في سنواتنا المعاصرة، فهل ما زالت الأجهزة الأمنية تتبع نفس هذه الأساليب التي تحولت إلى كليشيهات مُثلت في أفلام عديدة مثل \”كشف المستور\”؟
حسن ليس نفس حروف بطرس.
وهنا تيمة الفيلم، شاب مسلم صهر لابن الرئيس سافر للدراسة ثم عاد بالمسيحية، وقد وضع تماثيل السيدة العذراء وغيرها من القديسين وآباء الكنيسة في غرفته، ثم حاول جاهدًا اللحاق بمسيحيي مصر إلا أن نفوذ زوج أخته قد منعه، استعصت الجهود لإرجاع حسن عن أفكاره، حتى ألقت براحلتها عند مولانا، لتدور سجالات متعددة بين حسن الذي أسمى نفسه بطرس، لتنتهي بقيام حسن بتفجير نفسه في إحدى الكنائس ليلة رأس السنة.
حادث كلاسيكي عمد صناع الفيلم من خلاله إلى إثارة الانتباه، في حين أنه قد مثل حد الابتذال في أعمال أخرى عديدة سينمائية وتليفزيونية، آخرها إحدى حلقات مسلسل \”سيلفي\” للفنان السعودي ناصر القصبي والذي يمكنك من خلال مشاهدتها إدراك كل أحداث وتقلبات مولانا دون أن تتكلف ثمن تذكرة السينما.
أخيرًا.. قد نتفق أو نختلف مع الفيلم وصناعه، إلا أنه يحسب لهم إدخال معركة نقد التراث الإسلامي إلى عوالم السينما، \”مولانا\” وإن كان لم يقدم نقدًا حقيقيًا إلا أنه ابتدأ الخوض في غمار تلك المنطقة المحرمة، بخطوات خافتة.