مي سعيد تكتب: وصايا مؤنثة


يربكنا المجتمع، نعم أعلم ذلك فمنظومة العادات والتقاليد قد صاغت واقعا مؤلما للنساء يشككهن دائمًا فى ما لهن من حقوق ويرفع فى المقابل سقف ما عليهن من واجبات ليدسها بين ضلوعهن فيصرن هن أول من يتنازلن عن حقوقهن الأصيلة ظنًا منهن بأنها ليست ملكهن، يحاول المجتمع طوال الوقت أن يسطح مفاهيم الحقوق حتى يدهس الأفكار التى قد يطالبن بها فى المستقبل ويحصل على جيل من النساء المفرطين فى هذه الحقوق، فإذا حصل المجتمع على هذا الجيل من النساء فقد ضمن تتابع الأجيال التى ستنشأ فى كنف هؤلاء، سيكبرن ليصرن مفرطين كذلك، إنها لعبة أشبه برص مجموعة من قطع الدومينو عزيزتى، كل ما على المجتمع فعله هو دفع الأولى وسيتلاحق الباقين قى السقوط لا محالة، لكن قوانين الكون قد تخدم قطع الدومينو تلك مثلما قد تخدم النساء بأن تظهر من بينهن القويات اللاتى يقاومن السقوط، وسط مجتمع هزيل أجوف يهتم بما تضع المرأة على رأسها ولا يهتم بما تضعه داخل رأسها، مجتمع تكتفه المظاهر والعادات الساذجة التى قد تربط الشرف بغشاء البكارة رغم أنه صار منتجًا صينيًا يباع فى الأسواق، مجتمع يقرأ للرجال ويمجدهم ويتجاهل ويشيطن المفكرات من النساء بكل بساطة فلا تجد شارعا واحدا من شوارع القاهرة المسماة بأسماء أشخاص إلا ويرفع اسم رجل، حتى الشوارع تتجاهل دور المرأة وتجهلها، مجتمع يخضع للابتزاز كل يوم مخافة اللوم والفضيحة التى تحكمها قوانين عاداته المهترئة، لكن ولأن قول الحق واجب فعليَّ أن أنطق به، فالمرأة ليست مضطهدة فى مجتمعاتنا، بل إن الإنسان هو المضطهد وكل مضطهد فى علم النفس يحتاج لتنفيث الإضطهاد الواقع عليه بأن يقهر من يحكمه بقوانينه، ولأن المرأة فى مجتمعاتنا فى معظم الأحيان غير مستقلة ماديًا، فهى الطرف الأضعف لهذا التنفيث، فمن يملك المال يملك القوانين التى يحكم الآخر بها ويملك السلطة المطلقة عليه.
وبالرغم من كل هذا فالحياة ليست غابة إذا ما قاومتي الخنوع وعدم الاستقلال المادى بأن تكوني قوية ومحبة فى نفس الوقت وأن تستقلى حتى تطبق القوانين عليكِ وعلى الرجل بعدل ورضا إذا ما أخطأتى أو أخطأ هو.
ولربما أسوأ ما يمارسه مجتمع مثل مجتمعاتنا ضد نسائه هو الإبتزاز العاطفى المفرط من الأهل والمحيطين، الذى قد ينتج عنه فساد حياتكِ التى لا تملكين سواها رغبة فى إرضاء كل هؤلاء المبتزين الذين ضيعوا حياتهم وينتظرون منكِ أن تضيعى حياتكِ فى المقابل ويسوقون هذا لكِ وكأنه العدل والخير وعليكِ أن تهبي حياتكِ للضغوط ولشريك لا يناسب إحتياجاتكِ لكنه يروق لهم وللمجتمع أو يطالبك بأن ترمى عمركِ بين أحضان أول من يدق بابكِ خوفًا من لقب \”عانس\” فيطالبك بحياتك ثمنًا لوجهة نظر ليست وجهة نظركِ بالأساس أو يخدعكِ بضغوطه لتظني أنها وجهة نطركِ لتتخلصي من تلك الضغوط، فلا ترضخى، وعليكى أن تكونى البداية لرفع هذا الثقل عن كاهلكِ وكاهل النساء من بعدكِ، كونى حجر الأساس فى بناية جديدة قائمة على الحياة والمشاركة الفاعلة وتعزيز الوعى الذاتى بنفسكِ وبقدراتكِ على أن تحظى بحياة تستحقينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top