محمد تركي يكتب: المعادلة الصعبة والخديعة الكبرى.. رحلتك من الطفولة إلى القبر

هي المعادلة صعبة جدًا أصلها في بلد كل حاجة ماشية فيها غلط.
من وأنت صغير بتتحط قدام اختيارين، تذاكر علشان تنجح ولا تلعب؟ وأنت كطفل هتختار اللعب فبيجبروك تذاكر، فبتكره المذاكرة ويضيع منك وقتك ما بين ٨ حصص في المدرسة و٨ ساعات تعمل الواجب وتذاكر والباقي تنام وتاكل.
تكبر شوية، فتدخل إعدادي سن البلوغ والإحساس بالنفس واكتشاف الذات، فيحطك تاني بين اختيارين تذاكر وتتعب علشان تخش ثانوي عام بوابة الكليات والبرستيج والاحترام ولا تفشل وتدخل ثانوي مهني اللي كُخة ومن غير برستيج؟ -مش محتاج أكيد أوضح إن دي وجهة نظر غلط ولا اتبناها- فتفحت نفسك سعيا وراء الثانوي العام ويبقى هو الهدف.
تكبر شوية فتوصل ثانوي سن الشباب والمراهقة والرغبة في الإنطلاق واكتشاف العالم، فيحطك تاني قدام اختيارين: تذاكر وتفحت نفسك علشان تدخل كلية وتبقى محترم، ولا تنطلق وتكتشف العالم وتبقى فاشل؟ ويروح حاططلك عامل إغراء ويقولك اتعب دلوقتي علشان ترتاح بعدين، فأنت تصدق وتأجل كل رغباتك في الإنطلاق واكتشاف العالم وتفحت نفسك مذاكرة ويضيع يومك ما بين مدرسة ودروس وشوية نوم، وممكن نص درجة في الآخر تدمر أحلامك، ده لو كان عندك أحلام وماحطوكش تاني بين اختيارين، اللي هما تمشي ورا شغفك وتختار كليتك اللي ملهاش مستقبل وملهاش شغل ومش بتجيب فلوس، ولا تدخل كلية يختاروهالك علشان تبقى محترم وغالبا بتلبس الخازوق بحثا عن الاحترام.
تكبر أكتر وتخش كلية بغض النظر بتحبها ولا لأ، بتلاقي نفسك بتحضر محاضرات كتير مش فاهم منها حاجة وبتتعامل مع دكاترة نرجسيين ومرضى وغير مؤهلين للتدريس أصلا وتلاقي الامتحانات دايما في أوقات أعياد وحفلات وسهرات حلوة في التليفزيون وتضطر برضه تأجل كل رغباتك لحد ما تخلص الكلية وأنت كاره دنيتك ومكبوت وطلعان عينك وعلاقتك بالجنس الآخر مشوهة ومتدمرة.
استحملت كل ده واتخرجت أخيرا وبقى معاك الشهادة، وصلت لآخر الطريق خلاص، كسبت الاحترام وهتواجه العالم بالورقة دي وتبتدي تفكر في كيفية تنفيذ أحلامك ورغباتك المؤجلة وتنطلق في رحلتك لاكتشاف العالم، فتتفاجئ إن ده كله كان كدبة كبيرة وخدعة حقيرة وإن مش الورقة دي اللي هتكسبك الاحترام وتساعدك في مواجهة العالم وتحقيق أحلامك، إنما نوع تاني من الورق اسمه الفلوس لازم يكون معاك وكفاية عليك كده أهلك إدوك لحد ما كبرت، اتعامل أنت بقى.
وتاني كالعادة تتحط بين اختيارين، تشتغل شغل بتحبه واللي غالبا بيكون دخله قليل، ولا تشتغل أي شغلانة، بس يبقى دخلها كبير وفي الغالب بتختار الدخل الكبير وتفضل تتعب وتفضل تتنازل والمعادلة كل شوية تبقى أصعب، بتلاقي حياتك بتبقى عبارة عن بتصحى علشان الشغل وترجع مهدود تنام علشان تصحى تروح الشغل، وهكذا. وحياتك تبقى نمطية روتينية لأبعد مدى ويبقى اقصى طموحك شقة وشوية عفش وتتجوز أي بنت تختارها مامتك أو بنت تكون بتحبها، لو كنت عرفت أو لقيت وقت تحب أصلا.
وهكذا تصعب المعادلة أكتر ما بين وقت لأهلك ووقت للشغل ووقت لخطيبتك اللي بقت مراتك وخلفت وبقى في أولاد محتاجين وقت واهتمام وتربية، وفي وسط كل ده بتنسى نفسك، بتنسى أنت مين وكنت عايز إيه، بتهرسك عجلة الحياة والالتزامات والمسؤوليات اللي مش بتخلص، والأسعار تزيد ودخلك ثابت وقوته الشرائية بتضمحل، وأولادك يكبروا فتدخلهم في نفس الدايرة وتخدعهم نفس الخدعة وتشربهم من نفس الكاس اللي شربت منه، وتستمر المأساة لحد ما تموت وأنت بتطمح للراحة في الجنة علشان تعيش الحياة اللي معشتهاش في الدنيا، ولا بتكتشف العالم ولا تكتشف ذاتك.
والحكاية مابتخلصش بموتك لأن أولادك بيكملوا نفس المسيرة ويعملوا كده مع أولادهم برضه، وأولادهم يعملوا كده مع أولادهم.
وكله يفضل عايش في الكدبة الكبيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top