دينا مجدي العزباوي تكتب: لماذا تختلف عدسة الحياة عن عدسة الكاميرا؟


خلقنا الله وأعطانا عينين في وجهنا لنرى بهما ما حولنا، وميزنا بميزة العقل حتى يصل إليه ما نراه بأعيننا فنميزه ونصل لمرحلة الوعى والإدراك، ومن ثم نحدد مشاعرنا تجاه ما رأيناه. هل نحبه؟ أم نكرهه؟ هل نشعر بالتعاطف أم الازدراء؟ أو الكثير من المشاعر التى يمكن أن نحسها. ولكن ماذا لو لم نشعر أو نحس؟ أصبح ما نراه مجرد صورة عابرة لا نعطيها فرصتها حتى تصل إلى العقل ونتأثر بها. لقد استبدلنا أعيننا بعدسة الكاميرا وأصبحنا لا نتأثر إلا بالصور الملتقطة بعدسة الكاميرا، فصورة على أحد مواقع التواصل الاجتماعى ليد رجل مسن بها تجاعيد ويظهر عليها الشقاء مع إيموشن حزين، تجعلك تتأثر على الرغم من أن يد والدك قد تكون أكثر شقاء وبؤسا، وأنت لم تلحظ يوما ذلك.

لم تلتفت عندما دهس سائق الميكروباص الذى تركبه كلبا فى الطريق الذى لا يوجد به أية عربات أخرى غير ذلك الميكروباص والكلب المسكين، وبعدها يقول السائق فى غطرسة: \’\’وأنت إيه اللي وقفك هنا، هى نقصاك؟!\’\’ ولم تلتفت له أنت ولا أي من الركاب الأفاضل، بينما تتصفح أنت المنشورات الجديدة على فيسبوك وتبدي إعجابك بتلك الصورة التى قام فيها شخص ما بصنع جبيرة لأحد الكلاب لأن قدمه مكسور، وتتأثر بشدة.

أما عن ذلك اليوم الذى قضيته فى أحد الأماكن وانتهى ولم تشعر بأي انبهار، وبعدها تجد صورا منشورة لهذا المكان على أحد المواقع، فتتعجب أنك كنت فى هذا المكان ولم تلحظ أبدا كم هو جميل لدرجة تجعلك تشعر أنك بحاجة لزيارته من جديد لترى بعينيك ما رأيته بعدسة الكاميرا.

لقد استبدلنا عدسة الحياة بعدسة الكاميرا، فلم نعد نرى الفقر إلا من الصور، على الرغم من أن الفقراء حولنا فى كل مكان، ولم نعد نرى الظلم، على الرغم من أن الظالمين والمظلومين حولنا فى كل مكان، ولم نعد نرى الجمال على الرغم من أنه هو الآخر حولنا فى كل مكان، حتى الأشخاص قد نراهم كل يوم، ولكن لم تلحظ ولم تعرف أن فلانا له عينان جميلتان إلا من الصور ولا سيما لو أن الصور مكتوب عليها تعليق يسهل علينا فيما نركز بالتحديد.. فلا تنشر الصورة بدون تعليق، ومن فضلك اكتب على هذه \’\’تعاطف\’\’ حتى اتعاطف، وأكتب على هذه \’\’لنا الله\’\’ حتى أشعر بالظلم، أما هذه فأكتب عليها \’\’مكان رائع\’\’ حتى اتمنى زيارته، وبخصوص صورتك الشخصية، فضع عليها الإيموشن الخاص بالعيون، حتى اعرف أن عينيك جميلة.
من فضلك قل لى بالتحديد ماذا ترى من خلال صورتك الفوتوغرافية حتى أراه أنا الآخر لأننا أصبحنا مشغولين كثيرا لدرجة أننا لا نستطيع أن نستنبط ماذا يجب أن نشعر أو متى، ولا يوجد متسع من الوقت لنفكر، فرجاء فكر وأشعر نيابة عنى وأنا سوف أقوم بعمل شير، وكله في العالم الافتراضى. أما العالم الحقيقى، فله الله.

لقد توقفنا عن الربط بين ما نرى بأعيننا وبين عقلنا حتى لا نضطر لأن نشعر أو نأخذ موقفا ما ونتعاطف مع قضية أو غيره، واستبدلنا عدسة الحياة بعدسة الكاميرا حتى لا نرهق أنفسنا، فلا تنسى أن تكتب تعليقا يثيرنا حتى نثأر، اكتب مثلا حلب تحترق على صورة فتاه تبتسم أو حتى أكتب يوما ما سنصلى فى القدس على صورة للمسجد النبوى، ولن نعترض أبدا، بل سنكتب معلقين: \’\’اللهم آمين\’\’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top