الفلاح الأصيل.. الذي درس الفلسفة، فجمع بين حكمة الفلاح وتأمل الفيلسوف.. الهاديء الذي لا يلين ولا يتراجع رغم كل هذا الهدوء.. إزاي؟ الله أعلم.. بس الخلطة دي.. هي سر، أو قل بورتريه عم اسماعيل.
الرجل الذي عاش للفن حتى آخر يوم في عمره.. الرجل الذي لم تكسره سلطة ولا امرأة ولا فلوس، فقد عاش إسماعيل عبد الحافظ فترة ليست بالقليلة من عمره, طريد نظام السادات ومبارك.. هو ورفيق مشوار الفن والاضطهاد السيناريست \”سيد موسي\”، حتى إنهما كانا يعملان باليونان وتونس والإمارات، وقدما كثيرا من الأعمال معا، كان أهمها مسلسل \”الناس والفلوس\”، الذي منع من العرض بعد الحلقة الرابعة، ولم نسمع عنه بعد ذلك \”تُري أين شرائطه؟\”.. وقتها مات سيد موسي موتةً مريبة، وواصل عبد الحافظ طريقه مع رفيق آحر، هو المبدع \”أسامة أنور عكاشة\”، في صناعة فن مصري أصيل حتى لو كانا في الغربة.
ولما نجحت تحفتهما \”الشهد و الدموع\” نجاحا مدويا، وأعقباها بدرة الدراما التليفزيونية \”ليالي الحلمية – الجزء الأول\”.. زحفت إليهما الحكومة المصرية آنذاك ممثلة في وزير إعلامها صفوت الشريف، الذي ترجاهما أن يقدما الجزء الثاني من إنتاج التليفزيون المصري، بالأجر والشروط التي يطلبانها، فكان ردهما: ليس لنا طلبات سوى \”الحرية\”، فلا نريد أن تمتد يد الرقابة الباطشة لأعمالنا.. فوافق صفوت الشريف مرغما .
تحت هذه الصورة, عرفت عم إسماعيل، فكان حلما لي ولكل ممثلي مصر المرور أمام كاميرا إسماعيل عبد الحافظ.. وشاء الله أن تصله سمعتي كمخرج مسرحي \”شاطر\”، قبل أن أقابله, عن طريق صديقه وأستاذنا \”د. عبدالرحمن عرنوس\”، فقال عم إسماعيل لزملائنا الشباب: ابقوا هاتوه معاكم اشوفه.
روحت وأنا بابلع ريقي.. بس طاير.. قابلني ببشاشة الأستاذ، وحنو الأب، وقرب ابن المهنة!
آه والله.. طلب لي شاي وقعد يحكي معايا شوية في الفن بصفتي مخرج مسرح شاطر \”لدرجة أني أثرت إعجاب عرنوس\”، ودي حاجة عزيزة قوي.. وروّحت وأنا طايل السما.
بعدها بفترة.. فاجئني مفاجأة مذهلة.. باعت لي في دور حلو في مسلسل \”الوسية\”.
وعملت معه معظم ما قدمه بعد \”الوسية\”، ومع العشرة، تكبر الصورة، واتأكد أنها الحقيقة.. خلطة الهادئ الذي لا يلين.
اذكر.. أننا كنا نصور أحد المسلسلات في التليفزيون المصري في ماسبيرو، وتعطل التصوير.. تخيل يا مؤمن عشان إيه؟ عشان براد زنك أبيض في أزرق المشهور جدا ده.. اللي لو مديت إيدك ورا مبنى التليفزيون، وأنت في الاستوديو، هاتخبط في خمس محلات بيبوعوه. المهم.. زعل عم إسماعيل وبعت لرئيس قطاع الإنتاج – الأستاذ فلان – وبدل الأستاذ فلان ما يحل المشكلة، نازل يهلل بصوت عالي ويقول: لاااااا.. موضوع فركش ده مش عندي يا استاذ إسماعيل.
قام عمك إسماعيل قايم مقابل أستاذ فلان بترحاب وبشاشة، وقال في منتهى الابتسام والهدوء:
أهلااااااا أستاذ فلان.. هاتلنا فنجانين قهوة يا ابني و\”فركش\”.. اتفضل يا أسناذ فلان.. يا أهلا وسهلا.
مع عم إسماعيل.. كنا نبدأ يومنا في التصوير بمائدة كبيرة مليانة فول وطعمية وسلطة وجرجير ومخلل.. و يُدعى لهذه المائدة -خلي بالك- النجوم والفنيين والعمال، وحتى حارس باب الاستوديو \”عبد النبي الفرعون\”.. تفتكر بعد بداية كتلك.. هل يكون هناك أي غربة أو غضاضة أو تعال أو ملعنة من أحد أيا كان دوره؟
الله يرحمك يا عم إسماعيل.. ويعوضنا عنك بناس زيك.